أرجو أن تسامحني على تجرئي على إرسال اقتراح إليك وأنا أدرك تماما أن موافقتك عليه مستبعدة جدا. لا أعرف ما إذا كنت قد قرأت كتابي «أصل الأنواع» أم لا؛ إذ طرحت في هذا الكتاب تعليقا، أتوقع أن يقر الجميع بصحته، مفاده أن حيوانات أي تكوين جيولوجي، «ككل»، ذات طابع وسيط بين طابع التكوينات العليا والتكوينات الدنيا. لكن عدة خبراء بارعين للغاية أشاروا علي بأنه سيكون من المستحسن جدا أن أذكر أمثلة على ذلك وأوضحه ببعض التفصيل وبمجموعة واحدة من الكائنات. والآن يقر الجميع بأنه ما من أحد يستطيع توضيح ذلك أفضل من أن توضحه أنت بمجموعة عضديات الأرجل. قد تأتي النتيجة معارضة بشدة للآراء التي أتبناها؛ وسيكون هذا مواتيا جدا لأولئك الذين يعارضونني.
12
لكني أميل إلى الاعتقاد بأنها ستكون مؤيدة في العموم لفكرة الانحدار مع التعديل؛ فمنذ حوالي عام، عرض السيد سولتر
13
في المتحف في شارع جيرمين بعض الملولبات، وما إلى ذلك، من ثلاث مراحل من العصر الباليوزي على لوح ما، ورتبها في خطوط مفردة ومتفرعة، واضعا خطوطا أفقية تحدد التكوينات (مثل المخطط البياني في كتابي، إذا كنت تعرفه)، وبدت النتيجة لي مدهشة جدا، مع أنني كنت جاهلا تماما إلى حد أعجزني عن فهم خطوط صلات القرابة. كنت أتوق إلى طباعة صور هذه الأصداف، حسب ما رتبها السيد سولتر، والتوصيل بينها بخطوط منقطة، لكني لم أستطع إقناع السيد سولتر بنشر ورقة بحثية صغيرة عن الموضوع. لا أشك في أن العديد من النقاط المثيرة للاهتمام ستخطر ببال أي أحد على دراية تامة بالموضوع، وسيرى مجموعة من الكائنات من منظور الانحدار مع التعديل. أظن أن كل هذه الأشكال التي انحدرت من عصر قديم ولم تخضع إلا لتغير طفيف جدا يجب أن تغفل، وألا تؤخذ في الحسبان سوى الأشكال التي خضعت لتعديل كبير في كل حقبة متعاقبة. ما أخشاه هو ما إذا كانت عضديات الأرجل قد شهدت تغييرا كافيا، أم لا. ينبغي أيضا مراعاة المقدار المطلق لاختلاف الأشكال في مثل هذه المجموعات على طرفين متضادين تماما من الزمن، وإلى أي مدى تكون الأشكال المبكرة وسيطة في طابعها بين تلك التي ظهرت بعدها بفترة زمنية طويلة. وعلى خلاف ما يراه البعض فيما يبدو، لا يتضاءل قدم مجموعة ما لأنها نقلت إلى عصرنا الحاضر أشكالا قريبة الصلة بعضها ببعض. ثمة نقطة أخرى تتمثل في مدى عدم انقطاع تعاقب كل جنس، من المرة الأولى التي ظهر فيها حتى انقراضه، مع مراعاة التكوينات غير الغنية بالحفريات مراعاة وافية. لا يسعني سوى أن أرى أن شخصا مثلك قد يكتب مقالة مهمة (أهم بكثير من مائة مقال نقدي أدبي)، ومن دون جهد مضن كبير. أعرف أنه من المرجح جدا ألا يكون لديك فراغ، أو ربما تكون غير مهتم بالموضوع أو غير معجب به، لكني أثق، معتمدا على لطفك، في أنك ستسامحني على تقديم هذا الاقتراح. إذا أردت، بفضل أي حسن حظ استثنائي، أن تنفذ هذه الفكرة، فسأطلب منك أن تقرأ فصلي العاشر عن التعاقب الجيولوجي. وأود في هذه الحالة أن تسمح لي بأن أرسل إليك نسخة من الطبعة الجديدة، التي نشرت للتو، والتي أدرجت فيها بعض الإضافات والتصحيحات في الفصلين التاسع والعاشر.
أرجو أن تسامحني على هذه الرسالة الطويلة، وتفضل بقبول أصدق تحياتي.
بالغ إخلاصي
سي داروين
ملحوظة:
أكتب بخط سيئ جدا إلى حد أنني طلبت من أحدهم نسخ هذه الرسالة.
Page inconnue