Charles Darwin : sa vie et ses lettres (première partie) : avec un chapitre autobiographique de Charles Darwin
تشارلز داروين: حياته وخطاباته (الجزء الأول): مع فصل سيرة ذاتية بقلم تشارلز داروين
Genres
لست متأكدا إن كنت سترى أن استقبال خطاب من شخص في مكان ناء للغاية هو أمر مهم أم لا؛ ومن ثم، فإنني أكتب لك انطلاقا من الرغبة الأنانية المتمثلة في تلقي الرد. إن ما أجده في البلاد المختلفة التي نزورها، من جدة واختلاف تامين عن إنجلترا، لا يزيدني إلا حرصا على تذكر مناظر الأخيرة وجمالها. ومن ثم، فإن سرور المرء بتذكر أصدقائه القدامى وسماع أخبارهم، يصبح عظيما بلا شك. فلتتذكر هذا، ولتتذكر إحدى جلساتنا في أمسيات الشتاء الطويلة، ولترسل لي خطابا تحكي لي فيه الكثير عن نفسك وأصدقائنا؛ فلتخبرني عما تفعلونه وعما تنوون فعله في المستقبل، وإلا فسوف تصبحون جميعا غرباء عني تماما حين أعود بعد ثلاث سنوات أو أربع. بالنظر إلى عدد الشهور التي قضيناها على متن «البيجل»، فإننا لم نقطع مسافة كبيرة حول العالم. وحتى الآن، فإن كل شيء قد آتى ثماره وعوضني جيدا عن أي تعب أو مشقة لم يكن منها بد. لقد مكثنا ثلاثة أسابيع في الرأس الأخضر، ولم يكن سروري بالسير على سهول الحمم البركانية وتحت الشمس الاستوائية، سرورا عاديا، لكنني حين دخلت ورأيت الطبيعة النباتية الزاخرة في البرازيل لأول مرة، كان الأمر أشبه بتحقق إحدى رؤى كتاب «ألف ليلة وليلة». إن روعة المنظر الطبيعي تلقي بالمرء في نوبة من البهجة، والتي ليس من المحتمل أن يفيق منها سريعا صائد الخنافس؛ إذ أينما استدار بوجهه وقعت عيناه على كنوز جديدة. في ريو دي جانيرو، مرت ثلاثة شهور وكأنها عدة أسابيع. وخلال هذه الفترة، قمت بجولة رائعة للغاية على امتداد 150 ميلا في البلد. أقمت في قطعة أرض هي آخر من جرى تمهيده من الأرض، ومن خلفي غابة شاسعة منيعة. إن تخيل هدوء هذه الحياة يكاد يكون مستحيلا. لا يوجد إنسان على بعد أميال ليقاطع هذه العزلة. إن الجلوس على جذع شجرة في طريقه إلى التحلل في خضم روعة هذه الغابة، والتفكير في الوطن، لهو سرور يستحق بذل بعض العناء في سبيله.
إننا الآن في بلد أقل إثارة بدرجة كبيرة؛ فجولة واحدة على السهول المتموجة المكسوة بالخضرة، تكشف لك عن كل ما يمكن رؤيته. إنها لا تختلف عن كامبريدجشير على الإطلاق، فيما عدا أنه لا بد من تسوية جميع الأسياج الشجرية والأشجار والتلال، وتحويل جميع الأراضي الصالحة للزراعة إلى مراع. إن أمريكا الجنوبية بأكملها في حالة من عدم الاستقرار؛ فلم ندخل ميناء واحدا دون شيء من القلاقل. في بوينس آيريس، سمعنا صوت طلقة تصفر فوق رءوسنا؛ لقد كان صوتا لم أسمعه من قبل، لكنني وجدت أن لدي معرفة غريزية بما يعنيه. قبل أيام، أنزلنا رجالنا هنا، واستحوذنا على القلعة المركزية، بناء على طلب السكان. إننا نحن الفلاسفة لا نتوقع هذا النوع من العمل، وأتمنى ألا يكون هناك المزيد. سنبحر في غضون يوم أو يومين لمسح ساحل باتاجونيا؛ إنه غير معروف على الإطلاق، وأنا أتوقع أنه سيكون مثيرا للاهتمام بدرجة كبيرة. بالرغم من ذلك، فأنا أدرك بالفعل ذلك الاختلاف الشاسع بين الإبحار في هذه البحار، وبين الإبحار في المحيط الأطلنطي الاستوائي. في «خليج ليديز» كما يسميه الإسبان الأصليون، يكون من الممتع جدا أن تجلس على ظهر السفينة مع الاستمتاع ببرودة الليل، والإعجاب بالتجمعات النجمية الجديدة الخاصة بالجنوب ... إنني أتساءل متى سنلتقي مجددا؛ ولكن، أيا كان الوقت الذي سيتحقق فيه ذلك، فإن القليل من الأمور فقط، هي التي ستمنحني سرورا أكبر من سروري برؤيتك مجددا والحديث عن ذلك الوقت الطويل الذي قضيناه معا.
لو أنك كنت لتراني الآن، لنظرت إلي كما لو أنني وحش بري لا شك؛ فاللحية الكبيرة الشيباء وسترة التنظيف تشوهان أي أحد ولو كان ملاكا. خالص مودتي إليك يا عزيزي واتكينز، مع خالص مشاعر الصداقة.
المخلص لك دوما
تشارلز داروين
من تشارلز داروين إلى جيه إس هنزلو
11 أبريل 1833
عزيزي هنزلو
ها نحن الآن نغادر جزر فوكلاند متجهين إلى ريو نجرو (أو كولورادو). ستتجه «البيجل» بعد ذلك إلى مونتي فيديو، لكنني أنوي البقاء في المكان السابق إن كان ذلك ممكنا. ها قد مضت عدة شهور منذ أن رسونا بميناء متمدن؛ فقد قضينا معظم هذا الوقت تقريبا في أقصى الجنوب من تييرا ديل فويجو. إنه مكان بغيض؛ إذ تتوالى العاصفة بعد العاصفة على فترات زمنية قصيرة، مما يصعب القيام بأي شيء. لقد كنا نبعد مسافة ثلاثة وعشرين يوما عن رأس هورن، ولم نتمكن من الوصول إلى الجانب الغربي على الإطلاق. كانت العاصفة الأخيرة قبل أن نتوقف عن المحاولة تماما عاتية بنحو استثنائي. لقد ثقب البحر أحد القوارب وتسربت على السطح الكثير من المياه؛ وغرق المكان بأكمله بالمياه، وفسد الجزء الأكبر من الأوراق المستخدمة في تجفيف النباتات، وكذلك نصف مجموعة النباتات الغريبة هذه.
وأخيرا وصلنا إلى مرفأ واتجهنا إلى الغرب في القوارب عن طريق القنوات الداخلية؛ ولأنني كنت أحد أفراد هذه المجموعة، فقد سررت بالأمر كثيرا. أخذنا قاربين وسرنا بهما مسافة 300 ميل تقريبا؛ ومن ثم فقد حظيت بفرصة رائعة لدراسة الطبيعة الجيولوجية ورؤية الهمج. إن أهل فويجو يعيشون في حالة من الهمجية هي أشد سوءا مما توقعت أن يكون عليها أي إنسان. إنهم يسيرون عراة تماما في هذه البلدة ذات الطبيعة القاسية، وأما منازلهم المؤقتة، فهي تشبه تلك المنازل التي يبنيها الأطفال في الصيف بغصون الأشجار. لا أظن أن هناك مشهدا يمكن أن يكون أكثر إثارة من رؤية رجل على همجيته البدائية للمرة الأولى، وهذا الشعور بالإثارة لا يمكن لأحد أن يتخيله حقا إلى أن يجربه. إنني لن أنسى أبدا عند دخول خليج جود ساكسيس لأول مرة تلك الصرخة التي استقبلنا بها الجمع. كانوا يجلسون على بقعة صخرية، وتحيط بهم غابة قاتمة من أشجار الزان، وإذ رفعوا أذرعهم حول رءوسهم بوحشية، وتدلى شعرهم الطويل؛ فقد بدوا وكأنهم أرواح معذبة من عالم آخر. والطقس في هذا البلد يجمع في بعض النواحي، بين القسوة والاعتدال، وبالنسبة إلى المملكة الحيوانية فالسمة الأولى هي السائدة؛ ولهذا، فإنني لم أتمكن من إضافة عدد كبير إلى مجموعتي.
Page inconnue