Charles Darwin : sa vie et ses lettres (première partie) : avec un chapitre autobiographique de Charles Darwin

Zahra Sami d. 1450 AH
87

Charles Darwin : sa vie et ses lettres (première partie) : avec un chapitre autobiographique de Charles Darwin

تشارلز داروين: حياته وخطاباته (الجزء الأول): مع فصل سيرة ذاتية بقلم تشارلز داروين

Genres

لقد توقفنا لقلة الريح لمدة يوم بين تينيريف وجزيرة جراند كناري، وكانت تلك هي المرة الأولى التي أشعر فيها بالاستمتاع. كان المنظر رائعا؛ فقد كانت أعلى قمة جبلية في تينيريف تبدو وسط السحب وكأنها من عالم آخر. لقد كان مصدر حزننا الوحيد هو رغبتنا الشديدة في زيارة هذه الجزيرة الرائعة. «أخبرن إيتون ألا ينسى زيارة جزر الكناري ولا أمريكا الجنوبية»؛ فأنا متأكد من أن ذلك سيعوضه عن أي مشقة قد تكون ضرورية، لكن عليه أن يحسم أمره بحيث يرى قدرا جيدا من الأخيرة. إنني متأكد بأنه سيندم إن لم يحاول. وقد كانت الرحلة من تينيريف إلى سانت جاجو لطيفة للغاية. وقد وضعت شبكة في مؤخرة السفينة؛ فأمسكت بها عددا كبيرا من الحيوانات الغريبة، وقد شغل ذلك جميع وقتي في مقصورتي. وعلى ظهر السفينة، كان الطقس مبهجا وصافيا، حتى إن السماء والماء كونا معا صورة رائعة. وفي السادس عشر من الشهر نفسه، وصلنا إلى بورت برايا، عاصمة الرأس الأخضر، ومكثنا هناك لمدة ثلاثة وعشرين يوما؛ أي حتى أمس السابع من فبراير. لقد مضى الوقت سريعا وكان رائعا للغاية، والواقع أنه لا يمكن لشيء أن يكون أروع من ذلك؛ أن يكون المرء منشغلا بالعمل للغاية، وأن يكون هذا العمل واجبا ومصدرا كبيرا للسرور في الوقت نفسه. إنني لا أعتقد أنني قد أمضيت نصف ساعة من الراحة منذ أن غادرنا تينيريف. لقد جادت لي سانت جاجو بحصاد وفير للغاية في العديد من فروع التاريخ الطبيعي. وإنني أجد أن الأوصاف تكاد لا تقترب على الإطلاق من تلك الخاصة بالعديد من الحيوانات الأكثر شيوعا في المناطق الاستوائية. أنا أشير بالطبع إلى الحيوانات التي تنتمي إلى الرتب الأدنى.

إن الاستكشاف الجيولوجي في منطقة بركانية لهو أمر رائع للغاية؛ فبجانب المتعة المتأصلة فيه، هو يقودك إلى أجمل البقاع وأكثرها انعزالا. لا يمكن لأحد غير مولع بالتاريخ الطبيعي أن يتخيل السرور في التجول تحت أشجار جوز الهند وبين أحراج الموز وشجيرات القهوة، وأعداد هائلة من الزهور البرية . وهذه الجزيرة التي منحتني هذا القدر الكبير من التثقيف والسرور، يفترض أنها المكان الأقل أهمية وإثارة من بين جميع الأماكن التي سنحل بها خلال هذه الرحلة. لا شك في أنها قاحلة للغاية في المجمل، لكن الوديان، على العكس من ذلك تماما، آية في الجمال. من العبث أن أحاول وصف المنظر؛ إذ إن محاولة توضيح الاختلاف التام في المناظر الطبيعية بين أوروبا والمناطق الاستوائية لشخص لم يخرج من أوروبا قط، لن تجدي بأكثر مما يجدي المرء أن يصف الألوان لرجل كفيف. وكلما استمتعت بشيء، هممت بتدوينه إما في دفتري (الذي يزداد حجما) أو في خطاب؛ لذا عليك أن تعذرني في تعبيري عن جذلي، وتعذرني أيضا عندما أعبر عنه على نحو سيئ. إن مجموعتي تزداد بدرجة مدهشة، وأعتقد أنني سأضطر إلى إرسال شحنة إلى المنزل من ريو.

لقد اتضح أن جميع التأخيرات اللانهائية التي مررنا بها في بليموث قد كانت في صالحنا؛ إذ إنني أوقن تماما أن أحدا لم يذهب لجمع الملاحظات والعينات في مختلف فروع التاريخ الطبيعي، بحال أفضل من الموارد أو التجهيزات. لقد جنيت نفعا ولا شك من وجود هذا العدد الكبير من المستشارين. وقد أدهشني كثيرا إذ وجدت أن السفينة ملائمة بدرجة استثنائية لجميع أنواع العمل؛ فكل شيء في المتناول، وضيق المكان يجعل المرء منظما للغاية؛ لذا، فأنا الرابح في نهاية الأمر. لقد أصبحت أنظر إلى العودة إلى البحر كأنني أعود إلى مكان هادئ مألوف؛ وكأنني أعود إلى البيت بعد الابتعاد عنه لفترة من الوقت؛ باختصار، إنني أجد السفينة منزلا مريحا جدا به جميع ما يحتاج إليه المرء، ولولا دوار البحر، لأصبح جميع من في العالم بحارين. ولست أرى خطرا في أن يبدأ إيرازموس هذا الطريق، لكن تحسبا للأمر، فليثق بأنه لا يعرف معشار حجم المعاناة بسبب دوار البحر.

لقد أصبحت أحب الضباط أكثر مما كنت أحبهم في البداية، لا سيما ويكهام، وكينج الصغير وستوكس، وجميع الضباط بالتأكيد. لم يزل القبطان ودودا للغاية، وهو يبذل كل ما في وسعه لمساعدتي. إننا لا نلتقي إلا قليلا جدا ونحن في الموانئ؛ إذ إن مساعينا تذهب بكل منا في اتجاه مختلف. إنني لم ألتق في حياتي رجلا يمكنه تحمل هذا القدر العظيم من الإجهاد؛ فهو يعمل بلا توقف، وحين يبدو أنه لا يعمل، فهو يفكر. إن نجا من هذه الرحلة، فسوف يكون قد أنجز قدرا هائلا من العمل فيها. أشعر بأنني بخير وأنني أستطيع تحمل الارتفاع الطفيف في درجات الحرارة، بمقدار ما يفعل الجميع حتى الآن. قريبا، سيبدأ الجد؛ فها نحن نبحر باتجاه فرناندو نورونيا، بالقرب من ساحل البرازيل، ولن نبقى طويلا هناك، ثم سنبدأ في دراسة المياه الضحلة بينها وبين ريو، التي ربما تمتد حتى باهيا. سوف أنهي هذا الخطاب حينما تسنح الفرصة بإرساله.

السادس والعشرون من فبراير:

نحن على بعد 280 ميلا من باهيا تقريبا. وفي العاشر من فبراير، تواصلنا مع الباخرة «لايرا» التي كانت في رحلتها إلى ريو. وقد أرسلت عن طريقها خطابا قصيرا لكي يرسل إلى إنجلترا في أول فرصة. لقد تعثر حظنا بنحو استثنائي في مقابلة أي سفينة تتجه إلى الوطن، لكنني أعتقد أننا سنتمكن من إرسال خطابات إلى إنجلترا حينما نصل إلى باهيا بالتأكيد. لم يحدث شيء منذ أن بدأت في كتابة الجزء الأول من [هذا] الخطاب فيما عدا أننا قد عبرنا خط الاستواء، وأنني قد حلقت ذقني. وتتألف هذه العملية الكريهة من مسح الوجه بالطلاء والقار الذي يكون رغوة ليكشطها منشار والذي هو بديل الشفرة، ثم الغمر حتى المنتصف في الماء المالح. وعلى بعد نحو خمسين ميلا شمال الخط، لامسنا صخور سان بول، ولم يحل أحد بهذه البقعة الصغيرة (التي يبلغ عرضها ربع ميل تقريبا) والتي تقع في المحيط الأطلنطي إلا نادرا. إنها قاحلة تماما، غير أنها تغطيها أسراب الطيور، ولم تكن هذه الطيور معتادة على البشر إطلاقا، حتى إننا وجدنا أنه بإمكاننا قتل الكثير منها بالعصي والحجارة فحسب. وبعد أن مكثنا في الجزيرة لبضع ساعات، عدنا إلى متن السفينة على القارب المحمل بفرائسنا. ومن هناك ، ذهبنا إلى فرناندو نورونيا، وهي جزيرة صغيرة يرسل [البرازيليون] المحكوم عليهم بالنفي إليها. رسونا هناك بصعوبة كبيرة، وذلك بسبب الأمواج العاتية، وهذا ما جعل القبطان يصر على الإبحار في اليوم التالي بعد الوصول. لقد كان اليوم الوحيد الذي قضيته على الشاطئ هناك مثيرا للغاية، والجزيرة كلها غابة واحدة تتشابك فيها النباتات المتسلقة بعضها ببعض، حتى إنه ليصعب الابتعاد عن الطريق الممهد. إنني أجد جوانب التاريخ الطبيعي في جميع هذه البقاع المهجورة غاية في الإثارة، لا سيما الطبيعة الجيولوجية. لقد كتبت كل هذا القدر من أجل توفير الوقت في باهيا.

إن أكثر ما يثير الانتباه بشأن المناطق الاستوائية بكل تأكيد، هو نضارة الأشكال النباتية فيها. يمكنك أن تتخيل أشجار جوز الهند جيدا من الرسومات، إن أضفت إليها ذلك الإشراق البهي والذي لا تجده في أي من الأشجار الأوروبية. أما أشجار الموز وأشجار موز الجنة، فهي تشبه تلك التي تنمو في الصوب الدافئة تماما، وأما أشجار السنط أو التمر الهندي، فهي تتميز بأوراقها الزرقاء، وأما أشجار البرتقال الرائعة، فلا يمكن لأي وصف أو رسم أن يعطي أي فكرة دقيقة عن شكلها؛ فبدلا من تلك الخضرة السقيمة التي نراها في أشجار البرتقال لدينا، فإن أشجار البرتقال هنا داكنة أكثر من أشجار الخوخ البرتغالي، وهي أكثر منها جمالا في الشكل بدرجة لا توصف. وأشجار جوز الهند والباباو وأشجار الموز الفاتحة الخضرة وأشجار البرتقال، المحملة بالفاكهة، تحيط بالقرى التي هي أكثر غنى ووفرة. وعند رؤية مثل هذه المناظر، يشعر المرء باستحالة أن يقترب أي وصف من توضيح المشهد، وليس المبالغة في وصفه بالطبع.

الأول من مارس:

باهيا أو سان سلفادور. لقد وصلت إلى هذا المكان في الثامن والعشرين من فبراير، والآن أكتب هذا الخطاب بعد أن رحت أتجول بعزم حقيقي في غابات العالم الجديد. لا يمكن لأحد أن يتخيل أي شيء في جمال مدينة باهيا القديمة؛ إذ تحيط بها غابة زاخرة بالأشجار الجميلة، وهي توجد على ضفة منحدرة وتطل على المياه الهادئة لخليج أول سينتس العظيم. المنازل بيضاء وعالية، وذات نوافذ طويلة وضيقة مما يمنحها مظهرا رقيقا وأنيقا. أما الأديرة والأروقة والمباني العامة، فهي تختلف عن ذلك الطراز الموحد للمنازل، وتتناثر السفن الكبيرة في الخليج. ماذا يمكن أن يقال أكثر من ذلك! إنها باختصار، أحد أجمل الأماكن في البرازيل. غير أن ذلك الشعور الاستثنائي الرائع بالسعادة والذي ينبع من السير بين هذه الزهور والأشجار، لا يمكن أن يستوعبه من لم يختبره. وبالرغم من أن درجة الحرارة في المناطق القريبة من خط الاستواء لا تكون مرتفعة بدرجة مزعجة، فالجو رطب للغاية في الوقت الحالي؛ إذ إنه موسم المطر. إنني أجد أن الطقس يلائمني بدرجة رائعة حتى الآن، وهو يجعلني أتوق إلى العيش بهدوء لبعض الوقت في بلد كهذا. إذا كنتن تردن حقا أن تكون فكرة عن البلدان

العلمية وابدأن بعد مغادرته تينيريف. إن إعجابي به يزداد كلما قرأت له. أخبرن إيتون (ها أنا أكتشف أنني أكتب إلى أخواتي!) أنني أستمتع بأمريكا للغاية، وبأنها ستكون خسارة عظيمة إن لم يقم بأي خطوة فيما يتعلق بزيارتها.

Page inconnue