Solo Performance: Études et Articles
عزف منفرد: دراسات ومقالات
Genres
وصلت إلى مسرح الأزبكية، وفحصتني كل الأجهزة الإلكترونية التي طلعتني براءة والحمد لله، وكنت قد نسيت تذكرة الدخول، وحمدا لله أن ضباط رئاسة الجمهورية بدا وجهي مألوفا لديهم وإلا لما كنت حضرت العرض الذي أنا مدعو إليه.
دخلت المسرح، ساحة المسرح الخارجية أصبحت في منتهى الجمال والتنسيق، دلفت إلى الصالة فصدمني المشهد، زخارف كثيرة مذهبة وكأننا في مسرح مدينة بترولية، خشبة المسرح وضعها سقيم، المسافة بين الخشبة والمقاعد بعيدة أكثر من اللازم، ومغطاة بطبقات كثيفة من سجاجيد المآتم، وحتى ليست موضوعة بترتيب وتنميق، وإنما هي موضوعة «كلشنكان» بحيث تعتلي حافة الواحدة الحافة الأخرى في مشهد لا يبعث أبدا على الاحترام.
المسرح نقص ما لا يقل عن المائة كرسي وأصبح في حجم مسرح الجيب.
خرجت إلى الصالة ثم إلى الخارج لأشاهد هذا الذي أنفقوا عليه ملايين الجنيهات، فإذا بي أجد زخرفة إسلامية لا علاقة لها بالزخرفة الإسلامية الحقيقية التي كنا نصنعها منذ أيام أحمد بن طولون، مساحات رهيبة فارغة تملأ الجدران الخارجية، وليس بداخلها ما ينم على أن هذا مسرح أو مسجد أو معبد يهودي، أين صرفت تلك النقود كلها، وما رأيته لا يمكن أن يتكلف أكثر من مليون جنيه؟! أريد من السيد رئيس الوزراء والسيد وزير الثقافة أن يشكلا لجنة من كبار أساتذة الهندسة المضموني الذمة يقدرون حجم الإصلاحات، وكم النقود المنصرف ويحاسب المختلسون؛ فإني واثق أن هذه العملية قد اختلس منها ما لا يقل عن الثلاثة ملايين جنيه. •••
ثم بدأ العرض المسرحي، وفي ذهني سؤال: ترى ماذا سيفعل كرم مطاوع «بإيزيس» الحكيم؟ و«إيزيس» الحكيم كانت أسطورة «محترمة» لقصة إيزيس وأزوريس وحورس وتيفون، واغتصاب الملك من أوزوريس وقتله ثم إصرار حورس؛ أسطورة بسيطة بساطة الأقاصيص الفرعونية القديمة مثل الفلاح الفصيح وكتاب الموتى ومسرحيات الكهنة.
طبعا من المستحيل أن يخرج كرم مطاوع إيزيس الحكيم بنفس بساطتها، إذن، أين دوره هو كمخرج؟! وهكذا أخرج كرم مطاوع النص عن بساطته أولا، وعن الحكيم ثانيا، وبهذا فهي في الحقيقة «إيزيس» مطاوع، وحتى لو كان عدل فيها - كما يقول الرواة - توفيق الحكيم فهو قد فعل هذا بتنويم مغناطيسي إخراجي من كرم مطاوع.
وهكذا من الأسطورة البسيطة خلق كرم «أوبريت» ملأها بالرقص والغناء المصري والشامي والزار ومجاميع لا حصر لها، كان على المسرح أحيانا ما يزيد على السبعين ممثلا وممثلة، وإذا عرفت أن المسرح لم «يكنس» منذ إنشائه وكنت تجلس مثلي في الصف الأول، لأدركت مدى ما دخل صدري من غبار وتراب سببه دبدبة هذه العشرات من الراقصين والراقصات فوق الخشبة المليئة بالتراب وتصاعد هذا التراب على هيئة سحب خانقة تملأ الصالة الصغيرة إلى حد الحلقوم، أما كان هناك عاقل واحد يفكر قبل العرض في كنس الخشبة ورشها لتصبح مكانا جديرا بالعرض لتلك العشرات من المجاميع؟!
باختصار شديد ذهبت أتفرج على توفيق الحكيم فاستولى على عقلي كرم مطاوع بكثرة المجاميع والأغاني والراقصات، وكأنه أدخل إلى خشبة المسرح فرقة من الأمن المركزي لتحافظ هي الأخرى على حياة الرئيس وكبار المدعوين.
أجل، أحالها كرم مطاوع إلى أوبرا، ولو كان كرم مطاوع في ظروف نفسية أصلح، ولو كان لم يشغل وقته، رغما عنه في خناقات ما أنزل الله بها من سلطان حول المسرح الذي تعرض فيه مسرحيته، ولو أضاف قليلا، بل لا بد أن أقول كثيرا، من الشاعرية، لا للديكور أو للرقصات، وإنما للمواقف الإنسانية العميقة التي تحفل بها الأسطورة، مثل مشهد لقاء إيزيس بابنها حورس بعد غيبة خمسة عشر عاما، ولو جعل حورس يتحدث عن أبيه المقتول حديث ابن قتل أبوه ولم يره، ولم ير استيلاء تيفون على الحكم، ولو توقف قليلا عند مشكلة الحكم، ومن يحكم من، وهل الحكم للقوة أو للعدل، و... و... كثير من المشاهد التي كانت في حاجة إلى كتابة درامية حديثة، ومراجعة متأنية لكل جملة من جمل الحوار.
لو كان قد فعل هذا لكانت «إيزيس» أروع عمل إخراجي تم على المسرح المصري، ولكن هكذا شاءت العجلة، وإصلاح المسرح، والخناقات والظروف النفسية الضاربة أطنابها في هيئة المسرح بشكل عام، وفي وزارة الثقافة بشكل خاص.
Page inconnue