Solo Performance: Études et Articles
عزف منفرد: دراسات ومقالات
Genres
ولكني حين عدت إلى القاهرة - وطبعا لأسباب لا يجهلها القارئ - لم أشأ أن أعرض أمر هذه الزيارة على وزارة الثقافة، خاصة وهي مشغولة بالماضي تماما وترميمه، قابلت الدكتور ممدوح البلتاجي صدفة في افتتاح معرض الكتب الفرنسية التي كتبت عن مصر والعرب والمسلمين منذ العصور الوسطى إلى العصر الحاضر - موضوع سأعود إلى الحديث عنه فيما بعد، إن شاء الله - وزارات الثقافة والعلاقات الثقافية في البلاد الأخرى مشغولة تماما بإقامة علاقات ثقافية وثيقة بين بلادها وبين غيرها من البلدان، وبالذات بلدان العالم النامي، وفي مقدمتها بطبيعة الحال، قائدة هذا العالم الثقافي مصر.
لا يكاد يمر شهر إلا وثمة معرض أو فرقة موسيقية أو فرقة مسرح أو رقص قادمة من الهند أو كوريا، وبالذات من فرنسا، إن الفرنسيين يقومون بنشاط ثقافي هائل في القاهرة: معهد آثار، معهد لغة، ترجمة كتب مصرية إلى اللغة الفرنسية، معارض، دعوات للكتاب لزيارتها والاحتكاك ثقافيا وفنيا بها، مهرجانات أفلام، مؤتمرات كان آخرها مؤتمرا للعلاقات المصرية الفرنسية، مؤتمرا حافلا، كان على رأس المشتركين فيه المفكر الفرنسي العظيم مكسيم ردونسون، ذلك أن العلاقات الثقافية لم تعد في عالم اليوم ترفا أو دعاية، إنها هي الروابط الحقيقية التي تجذب الشعوب إلى حضارات الشعوب؛ وبالتالي إلى فهمها والتعاطف مع سياستها وخطواتها إلى التقدم، ومثل الفرنسيين هناك معهد جوته بنشاطه الهائل، ومعهد ليوناردو دافنشي الإيطالي، والمعهد البريطاني ينفق بسخاء على تعليم المصريين اللغة الإنجليزية والثقافة الإنجليزية، ناهيك عن النشاط الثقافي الذي تقوم به السفارة الأمريكية والجامعة الأمريكية، وكان تنافس هائل قائم بينهما لخلب لب المصريين ثقافيا وفنيا، وهذا هو في رأيي التنافس الوحيد المفيد لنا تماما، وقد كان مفروضا أن تقوم مصر - أقصد الوزارات والإدارات الثقافية الكثيرة المبعثرة بين وزارة الثقافة وإدارة العلاقات الثقافية بها، وإدارة العلاقات الثقافية بوزارة الخارجية، والأخرى التي بوزارة التربية والتعليم أو التعليم العالي، لا أعرف، كان مفروضا أن توجد هذه كلها في مؤسسة ثقافية واحدة للعلاقات الخارجية وللثقافة الداخلية أيضا، كهيئة «البروهيلفسيا» السويسرية أو غيرها، ولكن تقول «لمين»؟! المهم، قابلت الدكتور ممدوح البلتاجي وذكرت له - عرضا - عزمي على دعوة دورنمات وقبوله الدعوة فوجدته بحماس منقطع النظير يصر على أن تقوم هيئة الاستعلامات باستضافة الرجل الكبير، وبمشاورات مع السيد صفوت الشريف وزير الإعلام تم الاتفاق على برنامج كامل للزيارة، وحتى حين ذكرت الفيلم الذي تريد زوجة دورنمات عمله عن مصر لعرضه في الشبكة الألمانية الأوروبية قال: إن إمكانيات الاستعلامات كلها ستسخر من أجل نجاح العمل.
وهكذا أرسلت هيئة الاستعلامات دعوة رسمية - عن طريق السفارة السويسرية في القاهرة - إلى دورنمات بها برنامج مفصل واتفاق مع الثقافة الجماهيرية على عرض مسرحية لدورنمات مما سبق عرضه له في القاهرة، ولست أدري لم الثقافة الجماهيرية؟! ولماذا لا يكون المسرح القومي الأب هو الذي يقدمها؟! وتحدد للزيارة بالاتفاق مع دورنمات نوفمبر القادم، إن شاء الله.
هذا هو الخبر.
ونعود الآن إلى ما كنا فيه الأسبوع الماضي ونتذكر الحوار حتى نحيط بالموضوع.
قال: إن الحرية الحقيقية هي في إدراك محدودية القدرة البشرية على فهم الكون.
قلت: بالضبط، ففي مفهومي أن الصراع الحقيقي هو بين رغبة الإنسان العارمة في التحرر من أي نظام «بما فيه النظام الكوني نفسه» وبين قدرته المحدودة على الفكاك من أسر هذا النظام؛ إذ لو فك منه تماما لفقد صفته البشرية ونظام وجوده كإنسان.
قال: ولكن النظام في رأيي ليس خارج الإنسان، إنه داخل الإنسان نفسه.
قلت: ولكني هنا أتحدث عن الإنسان ليس كفرد، وإنما كمجموعة إنسانية كمجتمع، فالإنسان لا يحيا بمفرده، ولا يوجد مكون من مكونات الكون بمفرده أبدا، حتى الذرات توجد في مجتمعات، ولا بد من نظام يحكم وجودها الجماعي، فالأصل في وجود أي شيء هو وجوده الجماعي.
قال: أنت تقول إن الإنسان لا يمكن أن يعيش خارج نظامه الإنساني، وإن النظام لا يمكن أن يعيش خارج الإنسان، فكيف عالجت هذه المعادلة المستحيلة؟!
Page inconnue