فإنه يكون قد ألقى عنه درعه، واقتلع من مكانه،
وأوثق بنفسه الأغلال التي سوف يزج بها.
سألتني: «هل تعي ما أقول؟ هل تنفذ كلماتي إلى عقلك؟ أو تراني أصرخ في واد؟
1
لماذا تبكي؟ ولماذا تفيض عيناك؟ يقول هومر: «أفض بدخيلتك ولا تكتمها في نفسك.» إذا كنت تبتغي عون الطبيب فلا بد من أن تكشف عن الجرح.»
فاستجمعت قواي وأجبت: ألا ترين أن لسان حالي يغني عن مقالي، وينطق بقسوة القضاء الذي نزل بي؟ ألا يؤثر فيك مجرد النظر إلى هذا المكان؟ أين منه مكتبتي التي اتخذتها لنفسك في بيتي مستراحا وموئلا، تلازمينني فيها وتشرحين لي جميع أمور الفلسفة، الإنسانية والإلهية، أكان هذا هو حالي يوم كنت أبحث معك أسرار الطبيعة، وتعلمينني مسارات النجوم وترسمينها لي بعصاك، وتصوغين أخلاقي وحياتي كلها على مثال النظام السماوي؟ أهذا جزاء امتثالي لك؟ ألست أنت من أسس هذا الرأي على لسان أفلاطون: إن الدول السعيدة هي التي يحكمها الفلاسفة،
2
أو التي يدرس حكامها الفلسفة؟ وأشرت على لسان الرجل العظيم نفسه بأن هذا سبب يلزم الحكماء بمزاولة السياسة؛ حتى لا تترك دفة الحكم لأيدي الأشرار والمجرمين فيلحقون الدمار والخراب بالمواطنين الصالحين؟
وعلى هذا الأساس قررت أن أطبق في السياسة العامة ما تعلمته منك في خلوة الدرس. تشهدين أنت ويشهد الله الذي غرسك في عقول الحكماء أنه ما دفعني إلى تقلد أي منصب سوى حرصي على الصالح العام. وهكذا نشبت النزاعات المستحكمة بيني وبين الأشرار، وأثار علي حبي للعدل سخط الحكام، ولم أبال بسخطهم لعلمي أنني أرضيت ضميري الحر، كم وقفت في وجه كونيجاست
Conigast
Page inconnue