العيب
العيب
العيب
العيب
تأليف
يوسف إدريس
العيب
ثلاث مرات في تاريخ المصلحة ازدحمت مثل هذا الازدحام ... يوم توفي سعد زغلول ونعاه الناعي، ويوم طرد الملك، واليوم الذي عينت فيه سناء؛ ففي ذلك اليوم تم تعيين خمس من زميلاتها الناجحات في المسابقة، وفي نفسه أيضا انقلب المستحيل حقيقة وانقلبت المصلحة سوقا أرخص ما فيها الكلام، بل لا شيء فيها غير الكلام، المصلحة من يوم إنشائها والعاملون فيها رجال في رجال، الرجال هم الذين أنشئوها ووضعوا لها اللوائح والقوانين، وهم الذين تولوا طوال تاريخها التنفيذ، وهم الذين بنوها طوبة طوبة ورسموا التقاليد، رجال، كلهم رجال! حين يشيخ منهم جيل ويودع العمل يحل محله جيل جديد، شبان صغار بآراء جديدة ودم جديد، ولكنهم مع ذلك أيضا رجال، ربما لهذا لم يصدق أحد البتة تلك الإشاعة التي سردت ذات يوم، وقالت إن النية قد اتجهت إلى تعيين «بنات»! كيف يصدقها أحد والمصلحة من يومها - ككل مصلحة - وكر رجالي لا تسمع فيه إلا أصواتهم وشكاياتهم، ولا تشم فيه سوى روائحهم ووقع خطواتهم ... طالعين هابطين، دارسين لأسرار العمل العظمى والكادر وأمزجة الرؤساء؟
ولم تكن استحالة التصور تحيزا ضد المرأة، ولكنها استحالة أن يعتقد أحدهم أو يهضم أن تستطيع فتاة أو سيدة ما في الوجود أن تجد لها مكانا داخل هذه المؤسسة الرجالية الخالصة ... تماما كما لا تستطيع أن تتصور أن توجد فتاة أو سيدة في جناح الملابس الداخلية الخاصة بالرجال مثلا، فهنا مكان رجالي مزدحم - لا بحكم اللوائح - ولكن بحكم الكتلة ونوع الكتلة وكتلة الكتلة، تماما كما لا تستطيع أن تتصور وجود لوزة سوداء مع لوز القطن الأبيض، أو وجود رجل - أي رجل - في مكان خاص بالسيدات مهما كان السبب في تجمعهن، حتى ولو كان سببا لا يمت إلى الجنسين بصلة.
لهذا فالإشاعات حين سرت قبل بضعة شهور عن اتجاه النية لتعيين بعض الفتيات في المصلحة، لم تقابل بأي تعليق على الإطلاق، وأي تعليق بإمكانك أن تدلي به لو قالوا مثلا إن النية متجهة لتعيين أطفال للتدريس في مدارس روضة الأطفال!
Page inconnue