ثم التفت حوله، وزاد قائلا: «أين الفيلسوف الهندي؟».
فتقدم الفيلسوف، وقال: «ها أنذا أيها الأمير العظيم».
فقال الأمير «قل - أيها الحكيم - هل ترجعني الآلهة أميرا إلى هذا العالم، وتعيده شاعرا، هل تلبس روحي جسد ابن ملك عظيم، وتتجسم روحه في جسد شاعر كبير، هل توقفه النواميس ثانية أمام وجه الأبدية؛ لينظم الحياة شعرا، وتعيدني لأنعم عليه، وأفرح قلبه بالهبات والعطايا؟».
فأجاب الفيلسوف قائلا: «كل ما تشتاقه الأرواح تبلغه الأرواح، فالناموس الذي يعيد بهجة الربيع بعد انقضاء الشتاء سيعيدك أميرا عظيما، ويعيده شاعرا كبيرا».
فانفرجت ملامح الأمير، وانتعشت نفسه، ثم مشى نحو قصره مفكرا في أقوال الحكيم الهندي محادثا ذاته بقوله: «كل ما تشتاقه الأرواح تبلغه الأرواح».
2 «في مصر القاهرة سنة 1912 للميلاد».
طلع القمر، وألقى وشاحه الفضي على المدينة، وأمير البلاد جالس في شرفة قصره ينظر إلى الفضاء الصافي، مفكرا بمآتي الأجيال التي مرت متتابعة على ضفاف النيل، مستوضحا أعمال الملوك والفاتحين الذين وقفوا أمام هيبة أبي الهول، مستعرضا مواكب الشعوب والأمم التي سيرها الدهر من جوانب الأهرام إلى قصر عابدين.
ولما اتسعت دائرة أفكاره، وانبسطت مسارح أحلامه، التفت نحو نديمه الجالس بقربه، وقال: «في نفسنا الليلة ميل إلى الشعر فأنشدنا شيئا منه».
فحنى النديم رأسه، وأخذ ينشد قصيدة لشاعر جاهلي، فقاطعه الأمير قائلا: «أنشدنا شعرا أحدث عهدا».
فانحنى النديم ثانية، وابتدأ يردد أبياتا لأحد الشعراء المخضرمين.
Page inconnue