ثم وقف الأشباح الثلاثة، وبأصوات هائلة قالوا معا: «الحب وما يولده، والتمرد وما يوجده، والحرية وما تنميه ثلاثة مظاهر من مظاهر الله، والله ضمير العالم العاقل».
وحدث إذ ذاك سكوت مفعم بحفيف أجنحة غير منظورة، وارتعاش أجسام أثيرية، فأغمضت عيني مصغيا إلى صدى الأقوال التي سمعتها، ولما فتحتها، ونظرت ثانية، لم أر غير البحر متشحا بدثار الضباب، فاقتربت من الصخرة حيث كان الأشباح الثلاثة جالسين، فلم أر إلا عمودا من البخور متصاعدا نحو السماء.
في ظلام الليل
كتبت أيام المجاعة
في ظلام الليل ينادي بعضنا بعضا.
في ظلام الليل نصرخ، ونستغيث، وخيال الموت منتصب في وسطنا، وأجنحته السوداء تخيم علينا، ويده الهائلة تجرف إلى الهاوية أرواحنا، أما عيناه الملتهبتان، فمحدقتان بالشفق البعيد.
في ظلام الليل يسير الموت، ونحن نسير خلفه خائفين، منتحبين، وليس بيننا من يستطيع الوقوف، وليس فينا من له أمل بالوقوف.
في ظلام الليل يسير الموت، ونحن نتبعه، وكلما التفت الموت إلى الوراء؛ يسقط منا ألف إلى جانبي الطريق، ومن يسقط يرقد، ولا يستيقظ، ومن لا يسقط يسير قسر إرادته عالما، بأنه سيسقط، ويرقد مع الذين رقدوا، أما الموت فيظل سائرا، محدقا بالشفق البعيد.
في ظلام الليل ينادي الأخ أخاه، والأب أبنائه، والأم أطفالها، وكلنا جائعون لاغبون متضورون، أما الموت فلا يجوع، ولا يعطش فهو يلتهم أرواحنا، وأجسادنا، ويشرب دمائنا، ودموعنا ولكنه لا يشبع ولا يرتوي.
في الهزيع الأول من الليل ينادي الطفل أمه قائلا: «يا أماه أنا جائع» فتجيبه الأم قائلة: «اصبر قليلا يا ولداه».
Page inconnue