============================================================
نصف رطل. وإن قوى قتع النفس بنصف رطل من أول الأربعين وتقص يسيرا كل ليلة بالتدرج حتى يعيد فطوره إلى ربع رطل فى العشر الأخير.
وقد اتفق مشايخ الصوفية على أن بناء أمرهم على أربعة أشياء: قلة الطعام، وقلة المثام، وقلة الكلام، والاعتزال عن الناس.
وقد جعل للجوع وقتان: أحدهما: آخر الأريع والعشرين ساعة، فيكون من الرطل لكل ساعتين أوقية بأكلة واحدة يجعلها بعد العشاء الآخرة، أو يقسمها اكلتين كما ذكرنا.
والوقت الآخر: على رأس اثنتين وسبعين ساعة، فيكون الطى ليلتين، والإفطار فى الليلة الثالثة، ويكون لكل يوم وليلة ثلث رطل، وبين هذين الوقتين وقت وهو أن يفطر من كل ليلتين ليلة، ويكون لكل يوم وليلة نصف رطل، وهذا ينبغى أن يفعله إذا لم ينتج ذلك عليه سآمة وضجرا وقلة انشراح فى الذكر والمعاملة، فإذا وجد شيئا من ذلك فليفطر كل ليلة ويأكل الرطل فى الوقتين أو الوقت الواحد.
فالنفس إذا أخذت بالإفطار من كل ليلتين ليلة، ثم ردت إلى الإفطار كل ليلة تقتع، وإن سومحت بالإفطار كل ليلة لا تقنع بالرطل وتطلب الإدام والشهوات، وقس على هذا، فهى ان أطمعت طمعت، وإن آقنعت قنعت، وقد كان بعضهم ينقص كل ليلة حتى يرد النفس إلى أقل قوتها.
ومن الصالحين من كان يعير القوت بنوى التمر ويئقص كل ليلة نواة، ومنهم من كان يعدر بعوه وينقص كل ليلة بقدر نشاف العود، ومنهم من كان ينقص كل ليلة ريع سبع الرغيف حتى يقنى الرغيف فى شهر، ومنهم من كان يؤخر الأكل ولا يعمل فى تقليل القوت، ولكن يعمل فى تأخيره بالتدريج حتى تتدرج ليلة فى ليلة، وقد فعل ذلك طائفة حتى انتهى طيهم إلى سبعة أيام، وعشرة أيام، وخمسة عشر يوما، إلى الأربعين.
وقد قيل لسهل بن عبد الله: هذا الذى يأكل فى كل أربعين وأكثر أكلة أين يذهب لهب الجوع عنه؟ قال: يطفثه الثور.
وقد سألت بعض الصالحين عن ذلك فذكر لى كلاما بعبارة دلت على أنه يجد فرخا بريه وينطفن معه لهيب الجوع.
وهذا فى الخلق واقع؛ إذ أن الشخص يطرقه فرح وقد كان جائعا فيذهب عنه الجوع، وهكذا فى طرق الخوف يقع ذلك.
Page 51