L'âge de la Renaissance : une très brève introduction
عصر النهضة: مقدمة قصيرة جدا
Genres
القصص المطبوعة
استفاد الكتاب أيضا من وسيلة الطباعة الحديثة نسبيا في ترسيخ أساليبهم الأدبية المميزة. فقد غيرت الطباعة التعبير الأدبي؛ إذ إنها خلقت طلبا بين جمهور من أبناء المدن ممن كانت ثقافتهم في ازدياد، وكانوا يبحثون عن أشكال جديدة لفهم عالمهم المتغير. وفي عام 1554، نشر الراهب الدومينيكاني ماتيو بانديلو كتابه «قصة قصيرة»؛ وهو عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة عن الحياة المعاصرة في المدينة، والتي - بحسب مؤلفها - «لا تتعامل مع التاريخ المترابط، بل كانت بالأحرى مزيجا من الأحداث المتنوعة». أما جيامباتيستا جيرالدي - المشهور باسم سينثيو - فطبع مجموعة أخرى من القصص القصيرة في عام 1565، والتي لا تقل تأثيرا عن سابقتها. وتستلهم مقدمة كتابه «هيكاتوميثي» أحداث السلب والنهب الشديد الذي تعرضت له روما على يد الجنود اللوثريين في عام 1527. وقد وصفت تلك الأحداث العنيفة في مصطلحات تذكرنا بكاتب الدراما التراجيدي الروماني سينيكا؛ كما أن قصص سينثيو وبانديلو ألهمت بعض أعظم التراجيديات وأكثرها دموية التي قدمت على المسارح في عهدي إليزابيث وجيمس، بما فيها «التراجيديا الإسبانية» (1587 تقريبا) للكاتب توماس كيد، و«عطيل» (1603) لشكسبير، و«الشيطان الأبيض» لجون وبستر (1613 تقريبا). وعلى غرار كتابة النثر، كان تطور المسرح، ولا سيما في إنجلترا، معتمدا بصورة متزايدة على الاستثمار والربح أكثر منه على رعاية البلاط الملكي أو الورع الديني، وهو ما سمح بتمثيلات متزايدة في التعقيد والارتباط بالمذهب الطبيعي للمجتمع والفرد.
كما سمحت مرونة عملية الطباعة لكتاب مثل فرانسوا رابيليه بالرد على النقد الموجه لكتبه، وإدراج أحداث معاصرة في الطبعات اللاحقة من عمله. نشر رابيليه عمليه «بانتاجرول» (1532) و«جارجانتوا» (1534)، اللذين سردا المغامرات الكوميدية لعملاقين هما جارجانتوا وابنه بانتاجرول. وقد استخدم رابيليه مغامرات عملاقيه لهجاء والسخرية من كل شيء، من الكنيسة إلى التعليم الإنساني الحديث. وكان رابيليه يكتب بأسلوب «ثري» رائع يمزج ما بين اللغات المكتسبة مع الفرنسية العامية، ولذا جاء وصفه لبانتاجرول يجسد ما لديه من ثراء في الأساليب المختلفة. فقد ولد هذا العملاق الصغير لأم «ماتت أثناء الولادة؛ لأنه كان كبير الحجم بصورة مذهلة، وثقيلا لدرجة أنه لم يستطع أن يأتي إلى العالم دون أن يخنقها»، وكان يأكل الخراف والدببة، وتسبب في إخافة أحد الباحثين بشدة، حتى إنه لوث ملابسه بغائطه، ويدرس المعارف الجديدة من خلال تنوع محير من الكتب المطبوعة الجديدة التي تتضمن «فن الضراط» و«تنظيف مداخن علم التنجيم». كما أن بانتاجرول يسوي نزاعا قانونيا بين اللورد كيسمايارس واللورد ساكفارت؛ وفي محاكاة للاكتشاف البحري والإبداع العلمي، فإنه يبحر في النهاية إلى «ميناء يوتوبيا».
حققت الكتب الأربعة عن مغامرات جارجانتوا وبانتاجرول التي نشرت أثناء حياة رابيليه نجاحا مذهلا. وفي مقدمة كتاب «بانتاجرول»، تفاخر رابيليه بأن «عدد النسخ التي باعتها المطابع من هذا الكتاب في شهرين، أكثر من النسخ التي يمكن بيعها من الكتاب المقدس في تسع سنوات». وبداية من عام 1533 انتقم الفلاسفة السكولاستيون في السوربون بباريس الذين هجاهم رابيليه بلا رحمة، فأدانوا كل كتبه بصفتها إباحية وتجديفية؛ فمنعت مطبوعاته لبقية حياته. ومع ذلك، فقد تبنى كتاب آخرون أسلوبه المبتذل الوافر، ومن بينهم كاتب الهجاء الإنجليزي ومؤلف الكتيبات توماس ناش. ففي كتابه «المسافر التعيس» (1594)، يسرد ناش التجولات التشردية لجاك ويلتون - غلام جوال - في أنحاء أوروبا في القرن السادس عشر، حيث يورط نفسه في الحرب والصراعات الدينية والقتل والاغتصاب والسجن. وعلى غرار رابيليه، يستخدم ناش النمط الحديث نسبيا المتمثل في كتابة النثر، وذلك لقلب تقاليد القصيدة الغنائية والملحمة رأسا على عقب. فبدلا من اتباع السرد الرومانسي للشعراء الملحميين، تستخدم «الرسالة الخيالية» لناش المذهب الشكوكي والبراعة اللفظية للإنسانيين الأوائل، مثل مور وإراسموس (اللذين يقدمهما في سياق السرد)، لتحدي القيود الأخلاقية للتقاليد الأدبية الأكثر تقليدية. وفيما يدمج صوت ناش الأنماط والأصوات بشكل مفعم بالحياة، فإنه يشترك في بعض الصلات مع عمل ميجيل دي ثربانتس «دون كيشوت» (1604)، ويتنبأ بالتطور اللاحق للرواية الإنجليزية. وكان دانيال ديفو من بين الكثير من الروائيين الإنجليز الأوائل الذين أعجبوا بعمل ناش.
الملاحم
كان للشعر الملحمي تاريخ وإرث أكثر تميزا بكثير من القصص النثرية الجديدة نسبيا والتجريبية التي قدمها بانديلو وسينثيو وناش. فأعمال هوميروس مثل «الإلياذة» و«الأوديسا» وعمل فيرجيل «الإنيادة»، قدمت لشعراء عصر النهضة أنماطا كلاسيكية عن بناء الإمبراطورية، وأساطير ذات أصول وطنية، كانت تنسج حول التجوالات البطولية لبطل العمل، وهو في حالة هوميروس أوديسيوس، وفي حالة فيرجيل إينياس. وقد جاءت نشأة دويلات المدن الإيطالية في القرن الخامس عشر، وما تبعه من محاولات البرتغاليين وأسرة هابسبورج والإنجليز فرض هيمنتهم العالمية، لتمنح الشعراء الملحميين الفرصة لإعادة صياغة الملحمة الكلاسيكية على مستوى عالمي معاصر أكثر.
وكان من بين أكثر كتاب الملحمة المؤثرين لودوفيكو أريوستو؛ وهو سفير عائلة إيستي فيرارا، إحدى أعظم الأسر الحاكمة الإيطالية في القرن الخامس عشر. ففي افتتاحية قصيدته الملحمية «أورلاندو فوريوزو» (1516) يصرح أريوستو: «إنني أتغنى في شعري عن الفرسان والسيدات، وعن الحب والحرب، وعن الفروسية في البلاط الملكي، وعن الأعمال الشجاعة، وكل شيء منذ الوقت الذي عبر فيه المغاربة البحر من أفريقيا، وعاثوا فسادا في فرنسا.» كانت هذه القصيدة قصيدة فروسية تسرد عملا من الماضي، وتدور حول صراع القرن الثامن بين فرسان الإمبراطور شارلمان المسيحيين والشرقيين. لم يكن أريوستو قادرا على تقديم أعمال مواكبة للعصر، ويرجع ذلك تحديدا إلى أن قوة إيستي كانت في طريقها إلى الفناء مع بداية القرن السادس عشر. ومن خلال قراءة قصيدة أريوستو والاستماع إليها، كان نبلاء إيستي يمكنهم تخيل الحلم بهزيمة الأتراك - الذين كانوا المعادل العصري للشرقيين - لكن كان ذلك محض خيال جمالي صرف. وبحلول القرن السادس عشر كانت القوة الإمبراطورية الحقيقية تقع خارج إيطاليا.
أما قصيدة لويس دي كامويس الملحمية «اللوسياد» (1572) فقد تناولت ماضيا أكثر قربا؛ المجد الآخذ في الخبو لقوة أوروبية أخرى هي الإمبراطورية البرتغالية. كان كامويس جنديا وإداريا إمبراطوريا كتب قصيدته فيما كان يعمل في أفريقيا والهند وماكاو في منتصف القرن السادس عشر. وتنسج قصيدة «اللوسياد» أسطورة حول بزوغ فجر الإمبراطورية البرتغالية في القرن الخامس عشر، من خلال التركيز على رحلة فاسكو دا جاما إلى الهند في 1497. وعلى غرار أريوستو، زعم كامويس أن ملحمته تفوقت على الملاحم القديمة؛ لأن مجالها البطولي والجغرافي - أي أعمال وبطولات البرتغاليين في أماكن لم يسبق أن اكتشفها اليونانيون أو الرومان على الإطلاق - تفوق على إنجازات العالم الكلاسيكي. فكان كامويس يتغنى «عن البرتغاليين المشهورين/الذين انحنى لهم الإلهين مارس ونبتون». وقد خلقت القصيدة قالبا أدبيا للإمبريالية الأدبية، وتمت محاكاتها طوال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر اللذين شهدا الحركة الاستعمارية الأوروبية العالمية. ومع ذلك، بحلول سبعينيات القرن السادس عشر، عندما كتب كامويس ملحمته، كانت الإمبراطورية البرتغالية بدأت تتدهور بالفعل، وفي عام 1580، ضمها الملك الإسباني فيليب الثاني جزءا من إمبراطورية هابسبورج المتسعة. وكما هو الحال مع أريوستو، فقد كانت قصيدة كامويس تتغنى بأمجاد الماضي.
وفي إنجلترا، تبنى إدموند سبنسر والسير فيليب سيدني تقليد الملحمة، لكنهما أضفيا عليها حسا بروتستانتيا مميزا. كان كلا الرجلين من أفراد الحاشية الملكية الطموحين في البلاط الإليزابيثي، ومتحمسين لتأمين مناصبهما السياسية بكتابة قصائد ملحمية تتوافق مع الأذواق السائدة لسلالة تيودور الحاكمة. مزجت قصيدة سيدني «أركاديا» (1590) بين النثر السردي والشعر الرعوي الذي يستخدمه رعاة أركاديا، والأبطال الأرستقراطيون المتخفون؛ لمناقشة مجموعة من الموضوعات المحورية للحكومة الإليزابيثية بدءا من الاستشارات السياسية، حتى الحاجة لممارسة ضبط النفس، والتحكم في الانفعالات في الشئون الرومانسية، وتحالفات الأسرة الحاكمة. كان إدموند سبنسر إداريا سياسيا مثل أريوستو وكامويس، لكن إبداع ملحمته كان يحتفي بإمبراطورية لم تكن موجودة من الأساس. كتب سبنسر «ملكة الجن» (1590-1596) أثناء قيامه باستعمار أيرلندا نيابة عن الملكة الإنجليزية إليزابيث الأولى «الإلهة المتلألئة المبهجة/مرآة النعمة والجلالة السماوية/السيدة العظيمة للجزيرة العظمى».
استخدم سبنسر - متعمدا - مصطلحات إنجليزية مهجورة أثناء تتبع مغامرات سلسلة من الأفراد الذين يجسدون القيم البروتستانتية تحديدا ؛ مثل الإيمان وضبط النفس. فهو يحول إليزابيث إلى «ملكة الجن» ذات المجد، ويستعيد القديس جورج من أصوله الشرقية ليجعله القديس الراعي لإنجلترا. لكن لم يكن ذلك سوى أسطورة مجيدة أخرى. فعندما أكمل سبنسر قصيدته، كانت إليزابيث منعزلة سياسيا في أوروبا، وكان تراثها الاستعماري الوحيد الباقي هو أنها مهدت الطريق لقرون لاحقة من العنف الطائفي في أيرلندا. ومع ذلك، فمن خلال إبداع ملحمة عالمية باللغة العامية عن ميلاد الأمة الإنجليزية البروتستانتية، ابتعد سبنسر عن التقليد الأوروبي السائد، وأثر بقوة على عمل ميلتون «الفردوس المفقود».
Page inconnue