كانت الدعوة العلوية تسير جنبا إلى جنب مع الدعوة العباسية، فقد كان الفريقان مضطهدين مغلوبين على أمرهما، وكان من المعقول والطبعي أن ظلم بني أمية لهؤلاء وهؤلاء يجمع ما تفرق من أهوائهم، ويفل حدة ما بينهم من عوامل التنافس والخلاف.
وقد كان بنو هاشم أعداء للأمويين قبل الإسلام بسبب التزاحم على السيادة في قريش، ولشد ما كان طلب السيادة والزعامة مدعاة إلى العداوة والشحناء، وسببا إلى التناحر والتقاتل بين بني الإنسان.
جد العباسيون في دعوتهم السياسية وهم في الحميمة من أعمال البلقاء بالشام، وزادوا حمية وحماسة بتنزل أبي هاشم بن محمد بن الحنفية العلوي، زعيم الحزب الكيساني، لمحمد بن علي بن عبد الله بن عباس، حين دس إليه سليمان بن عبد الملك من سمه؛ إذ رأى فيه من المهابة والوقار ما يؤهله للخلافة، ويقربه من قلوب الجماهير.
وقد كان في تنزل أبي هاشم هذا لصاحب الدعوة العباسية توحيد لحزبين قويين؛ هما الحزب العباسي
1
والشيعة الكيسانية، وهذا التوحيد أو التقريب بين الحزبين كانت ثمرته لحزب العباسيين. (2) تأليف الجماعات السرية
عمل العباسيون في تأليف الجماعات السرية للدعوة، واختاروا من الدعاة اثني عشر نقيبا؛ وهم: سليمان بن كثير الخزاعي، ومالك بن الهيثم، وطلحة بن زريق، وعمر بن أعين، وعيسى بن أعين، وقحطبة بن شبيب الطائي، ولاهز بن قريظ التميمي، وموسى بن كعب، والقاسم بن مجاشع، وأبو داود خالد بن إبراهيم الشيباني، وأبو علي الهروي شبل بن طهمان الحنفي، وعمران بن إسماعيل المعيطي.
واختار محمد بن علي سبعين رجلا يأتمرون بأمر هؤلاء الدعاة، وكتب إليهم كتابا يوصيهم فيه بما يرجو أن يوفقوا إلى العمل به وهم يوجهون الدعوة، ويحاورون الأحزاب.
وهذا الكتاب يدل على ما كان عليه هذا الزعيم العباسي من علم بأحوال الناس في عصره، وبصر بأخلاق الشعوب التي كانت خاضعة للسلطان الإسلامي، وبما كانت تجيش به النفوس في كل صقع وحاضرة، وبمثل هذا الزعيم الداهية ومن اجتباهم للدعوة العباسية قد كتب الفوز لهذه الدعوة آخر الأمر، ومما قاله هذا الزعيم في كتابه:
أما الكوفة وسوادها فشيعة علي وولده، وأما البصرة وسوادها فعثمانية تدين بالكف تقول: كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل، وأما الجزيرة فحرورية مارقة، وأعراب كأعلاج، ومسلمون في أخلاق النصارى، وأما أهل الشام فليس يعرفون إلا آل أبي سفيان وطاعة بني مروان، وعداوة راسخة، وجهلا متراكما، وأما مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر، ولكن عليكم بخراسان، فإن هناك العدد الكثير والجلد الظاهر، وهناك صدور سليمة، وقلوب فارغة لم تتقسمها الأهواء، ولم يتوزعها الدغل، وهم جند لهم أبدان وأجسام ومناكب وكواهل وهامات ولحى وشوارب، وأصوات هائلة، ولغات فخمة تخرج من أجواف منكرة ... وبعد، فإني أتفاءل إلى المشرق وإلى مطلع سراج الدنيا ومصباح الخلق. (3) الدعوة العباسية وأبو مسلم الخراساني
Page inconnue