ويجدر بنا أن نقيد هنا ملاحظة أخرى ، وهي طول احتمال المأمون وكبير جلده وقوة اصطباره على مطالعة شكاوى الجمهور ومظالمهم، غير مكترث لألم الجوع ولا جانح إلى الرغد والراحة في سبيل نظرها وإنصاف أصحابها.
على أن هذه الهنة في هذا الوزير وإن كانت عائبة للرجل ناقصة من كرامته، فكفايته مقطوع بها، وليس أدل على عظيم قدره وسمو مكانته من حضور المأمون جنازته وصلاته بنفسه عليه، وقوله عنه بعد أن دلي في حفرته وترحم عليه: أنت والله كما قال القائل:
أخو الجد إن جد الرجال وشمروا
وذو باطل إن كان في القوم باطل
وزارة أحمد بن يوسف
وقد استوزر المأمون بعد ابن أبي خالد أحمد بن يوسف الكاتب، ولما كنا سنعقد له بحثا خاصا في قسم الآداب والعلوم، فستجد ثمة طرفا عن حياته وأثره.
وزارة يحيى بن أكثم التميمي
استوزر المأمون بعد أحمد يحيى بن أكثم، وهو من أصحاب ثمامة بن أشرس المتكلم المعروف، ولاه المأمون وظيفتي الوزارة وقاضي القضاة.
ولم أجد اختلافا قويا، هو اختلاف النقيضين، كاختلاف القدماء في يحيى بن أكثم، ولما كان له مظهر بارز في الدولة المأمونية من الوجهة العلمية والأدبية - لأنه كان كما يقول أحمد بن حنبل رضي الله عنه: متفننا فيها؛ فكان إذا نظر إلى رجل يحفظ الفقه سأله عن الحديث، وإذا رآه يحفظ الحديث سأله في النحو، وإذا رآه يعلم النحو سأله عن الكلام ليقطعه ويخجله - آثرنا أن نلم بحياته وأقوال الناس فيه من قادح ومادح، ونبين قدره على وجه الإجمال لا التفصيل، وسنورد كلامنا فيه أيضا في قسم العلوم والآداب من هذا الكتاب.
وزارات أخرى
Page inconnue