206

قامت بحق الله إذ دبرت

في ولده كتب دواوينها

ألا تراها كيف بعد الردى

وفقها الله لتزيينها؟!

وهي أبيات كثيرة.

وذكر علي بن صالح الحربي أن علي بن عيسى لما قتل أرجف الناس ببغداد إرجافا شديدا، وندم محمد على ما كان من نكثه وغدره، ومشى القواد بعضهم إلى بعض، وذلك يوم الخميس للنصف من شوال سنة 195، فقالوا: إن عليا قد قتل، ولسنا نشك أن محمدا يحتاج إلى الرجال واصطناع أصحاب الصنائع، وإنما يحرك الرجال أنفسها، ويرفعها بأسها وإقدامها، فليأمر كل رجل منكم جنده بالشغب وطلب الأرزاق والجوائز، فلعلنا أن نصيب منه في هذه الحالة ما يصلحنا ويصلح جندنا.

خبرني، لعمرك! أليست هذه بوادر الفوضى وعلامات الانتقاض؟ أوليست هذه هي هي بعينها مبادئ الثورة وأمارات زوال الملك وسقوط العروش وأفول نجم أصحابها؟ أجل إنها لكذلك، وإن في انقسام كلمة الزعماء وإثارتهم النفوس بالاضطراب والقلاقل، وإضرامهم نيران الفتن، وتحريكهم الجند وما إلى الجند للشغب والهياج تقطيعا لأوصال البلاد، ونذيرا بالهدم والفناء.

ولننظر ماذا كان من حماقات رجال الأمين؟

إن التاريخ ليحدثنا أن رأيهم قد اجتمع على الشغب والاصطياد في الماء العكر، وأنهم أصبحوا فتوافوا إلى باب الجسر وكبروا، فطلبوا الأرزاق والجوائز، وبلغ الخبر عبد الله بن خازم، فركب إليهم في أصحابه وفي جماعة غيره من قواد الأعراب، فتراموا بالنشاب والحجارة واقتتلوا قتالا شديدا، وسمع محمد التكبير والضجيج، فأرسل بعض مواليه أن يأتيه الخبر، فرجع إليه فأعلمه أن الجند قد اجتمعوا وشغبوا لطلب أرزاقهم، قال: فهل يطلبون شيئا غير الأرزاق؟ قال: لا، قال: ما أهون ما طلبوا! ارجع إلى عبد الله بن خازم فمره فلينصرف عنهم، ثم أمر لهم بأرزاق أربعة أشهر، ورفع من كان دون الثمانين إلى الثمانين، وأمر للقواد والخواص بالصلات والجوائز.

ولنتساءل الآن إزاء إجابة الأمين لسؤل القادة والجند ومبادرته إلى رفدهم، وإسراعه بمنحهم الأعطيات والهبات والجوائز والصلات: أكان في تصرفه حكيما، وفي عمله مسددا موفقا؟

Page inconnue