فحدجته باهتمام، فقال: قدمت استقالتي.
وأغرق في الضحك.
9
يقول الراوي:
ويمر عام في أعقاب عام. يغوص حبه القديم في غلاف من السكينة والفتور. وتظل علاقته بسيدة باردة في مشاعرها، خشنة في معاملاتها، لا تند عنه كلمة طيبة، ولا يتردد عن الإساءة إليها لأقل هفوة، وأحيانا بلا سبب، وكان يمضي بسمير بعيدا عنها ليمارس حريته في ملاعبته وتقبيله. وضاق بحياته بعد غياب بدرية وحمدون، ولم تكف القصص البوليسية لملء الفراغ، فانزلق إلى غرزة يسلي بها همه؛ ومن ثم عرف أين يقضي ليلته حتى مطلع الفجر، وأن يهرب بالنوم حتى الظهيرة. وتابعت عين نظام حياته الجديد بقلق، وكانت تقول له: نحن الذين نصنع سعادتنا بأيدينا.
وحنق عليها لسعادتها الدائمة، إنها تمضي كالنحلة تمج رحيق الإحسان والحب. تتوغل في الحلقة السابعة بحصانة تامة ضد أعراض الشيخوخة، تتجول بلا انقطاع، تحظى بالنشاط والرشاقة والفرحة المتألقة. وكأنما تقصد تعذيبه وهي تقول: يا بني تعامل مع زوجك بالرحمة، إنها امرأة نادرة المثال في صبرها وأدبها.
لقد ساءه أن تثبت له براءتها في موقفها من بدرية، إنه نهم إلى إدانتها. ويذكر لها موقفها المتعنت من حبه قبل أن تعرف ما بين بدرية وحمدون من حب. إنها مدانة على أي حال. وهو ممزق بين حبها وكراهيتها. يحلم أحيانا بموتها، ولكن كيف يمكن أن تموت هذه المرأة البارعة؟ سوف يسبقها إلى القبر، سيعيش في أسرها عمره كله، إنها تستمد من المجهول قوة خارقة، ولكن هل يتحمل الحياة بغير شعوره الباطني بوجودها في مكان ما في الدار أو الحارة؟!
وتكرر حثه على معاملة سيدة بالحسنى فيتساءل: ما الذي جعله يبقي عليها طيلة الأعوام الماضية؟
الحق أنه لا يحبها ولا يريدها. أمن أجل سمير، أم إنه الضعف الأبدي الذي يمنعه من العمل؟ وقال لعين ردا على توسلاتها: آن لي أن أطلقها.
فبسطت يدها نحو السماء متمتمة: اللهم جنبه قسوة الحيوان. - إنني لا أحبها. - الرحمة أولى بمن لا تحب. - المسألة أنك سعيدة، أما أنا فرجل تعيس.
Page inconnue