10
بناء عليه أدروا لهم أخلاف الرزق وقربوهم وجالسوهم وآكلوهم وشاربوهم وسامروهم وساجلوهم، واعتمدوا في المشاكل على آرائهم.
11
إزاء تلك الأريحية وهذا العطف اندفع يقصد الخلفاء كل ذي قريحة من الكتاب والأئمة والشعراء والأطباء والمهندسين والمنجمين والمترجمين على اختلاف الملل والنحل، فشخصوا إلى دار السلام؛ طمعا بإحراز جائزة أو منحة أو الحصول على منصب، وناهيك بكرم الخلفاء، وثروة عاصمتهم، وانتشار الرخاء بين سكانها، وازدحام الغرباء على أبوابها، واختلاف التجار إليها للبيع والشراء. زد على ذلك تدفق الذهب من بيت المال على أركان المملكة وعلى من لف حولهم من الأنصار وأرباب الصناعات والفنون والآداب الرفيعة، ذلك كله كان من أقوى الذرائع التي أهابت بالخلفاء إلى المبالغة في تعزيز العلم وإجلال العلماء وتكريمهم.
وقد أثبت المؤرخون أخبارا شتى برهنت عن مكارم الخلفاء وعطفهم على العلماء، من ذلك أن الخليفة المأمون كان يتبرع على طبيبه جبرائيل بن بختيشوع (المتوفى 828م) برواتب نقدية سخية، وقد بلغ مجموعها السنوي كما وجدوه مدونا بخط جبرائيل نفسه ألوفا من الدنانير.
12
أما الخليفة المتوكل؛ فلم يكتف بما تبرع به من الأموال الطائلة على طبيبه حنين بن إسحق (المتوفى 876م) شيخ تراجمة الإسلام، بل خصص له قصرا فخما تجاه بلاطه زينه برياش فاخر، وكان الخليفة يزن لحنين من الذهب زنة ما يترجمه من الكتب مثلا بمثل.
13 (6) احتذاء الفاطميين والأمويين مثال العباسيين في العصر الذهبي
انتهج الخلفاء الفاطميون بمصر، والخلفاء الأمويون بالأندلس نهج الخلفاء العباسيين ببغداد؛ فلم يقتصروا على تعليم اللغة العربية وترويج آدابها في أصقاعهم، بل باروهم في جمع المخطوطات فطلبوها من مصادرها، وأنفقوا الصفر والبيض في سبيل البحث عنها والتقاطها، وأنشئوا لها في حواضرهم ومدنهم خزائن فاخرة، وحبسوا عليها أوقافا وافرة، وعينوا لها خزنة وقواما أمناء، وحشدوا فيها نساخا ومترجمين ومجلدين ومذهبين، ثم استنهضوا رعاياهم لتحصيل المعارف والآداب فاندفعوا إلى العمل بجد واجتهاد، فأفلحوا ونجحوا ونبغ منهم علماء أعلام وفلاسفة عظام.
14
Page inconnue