Mentor
للطباعة الشعبية. والكتاب هو المجلد الخامس في سلسلة من ست مجلدات بعنوان «العصور الكبرى للفلسفة الغربية
Great Ages of Western
».
نيويورك في يناير 1962م
فؤاد زكريا
مقدمة
إن التفكير الفلسفي في أي عصر هو دائما أشد تنوعا وتعقيدا مما يبدو لأول وهلة. ومع ذلك فإن القرن التاسع عشر يفوق بمراحل عديدة القرنين السابع عشر والثامن عشر - مع احترامنا الكامل لسلفيه العظيمين هذين - وذلك على الأقل من حيث تعدد أفكاره الفلسفية وتنوعها وتعقيدها. ولذا كان من الصعب إلى حد بعيد أن يهتدي المرء إلى قضية أو مسألة أساسية تدور حولها آراء معظم كبار مفكري تلك الفترة، بل إن مجرد الجمع بين أسماء ضخمة مثل هيجل ونيتشه، وماركس ومل، وكونت وكيركجورد، ليبعث في الذهن على التو فروقا لا نظير لها، لا في المزاج والأسلوب الفلسفي فحسب، بل في المؤثرات السابقة والمنهج أيضا. ففي القرن التاسع عشر تزدهر مملكات فلسفية كاملة، ثم تدول، خلال بضع سنوات قصيرة، وسرعان ما يتحول المصطلح الفني لدى إحدى المدارس إلى هراء في نظر المدرسة التالية. وباقتراب نهاية ذلك القرن، يتزايد تداخل الحدود الفاصلة واختلاطها، حتى لتكاد التصنيفات المفيدة الصادقة للفلاسفة تغدو مستحيلة. ومع ذلك فقد تبين لي، رغم هذا كله، أنه توجد من وراء معظم المشاهد المحيرة التي تعرض لمن يؤرخ فلسفة القرن التاسع عشر ويقتطف منها نصوصا مختارة، مجموعة رئيسية من المشاكل يرجع إليها القدر الأكبر من غرابة هذه الفلسفة وصعوبتها؛ فمنذ «كانت» طرأ تعديل أساسي عميق على نفس مفهوم التفلسف كما كان يسود منذ وقت أرسطو، مما استتبع تغييرا هائلا حتى في معاني ألفاظ أساسية في مصطلح الفلسفة التقليدية مثل «الميتافيزيقا» و«المنطق». وتبين حينئذ أن هناك مشاكل لم يشك أحد في قيمتها أو دلالتها طوال ألفي عام، قد أصبحت تعد خلوا من المعنى، واستعيض عنها بمسائل أخرى لم تخطر من قبل على بال أحد. وإلى هذه الحقيقة يرتد مباشرة كثير من الغموض الذي يكتنف الكتابات الفلسفية في القرن التاسع عشر.
ولا جدال في أن هذا قد زاد من عمق فلاسفة القرن التاسع عشر وأصالتهم، غير أنه لم يزدهم وضوحا، ولم يجعل كتاباتهم أسهل قراءة.
ولقد كان ضيق المكان عاملا آخر على تعقيد عملية اختيار فلاسفة معينين لتقديمهم في هذا الكتاب؛ فقد تبين لي منذ البداية أن من المستحيل أن أدرج هنا كل فيلسوف ذي أهمية رئيسية خلال هذه الفترة، إذا شئت ألا يغدو هذا الكتاب مجرد ثبت لا معنى له بالأسماء والاتجاهات الاقتباسات. وكان اختياري النهائي مبنيا على عوامل ثلاثة؛ هي الأصالة والتأثير التاريخي، والأهمية المعاصرة. وحتى مع تقيدي بهذه العوامل، فقد تعين علي أن أحذف فلاسفة عديدين تكاد تنطبق عليهم كل هذه الشروط التي وضعتها لإدراج الفيلسوف في الكتاب، مثل شلنج،
Page inconnue