إهداء إلى سابا.
يتكون الديوان الشعري من تسع قصائد اتفق الناس جميعا على أنها تسع قصائد سيئة، وأسوأها قصيدة العشب التي تتكون من مائة كلمة، وكل كلمة منها تصبح سببا كافيا للجنة النصوص والرقابة على الكتب والمطبوعات بأن تأمر بحرق هذا الكتاب وكاتبه، ولكن دهقون في السلطة الانتقالية اعتبر أن هذا مطلبا يسعى إليه المؤلف من أجل مكاسب أخرى غير منظورة، فسمحوا للكتاب بالتوزيع، ولو أنه بدون رقم إيداع ولا اسم ناشر ولا تاريخ إصدار.
العاشق البدوي: اسم الطين
رسالة تكتبها القديسة.
رسالة تكتبها القديسة إلى محمد آدم بعد أكثر من ثلاثين عاما من رحيله بعنوان: «العاشق البدوي».
حبيبي محمد آدم، افتقدتك الآن أكثر مما افتقدتك في أي زمن مضى، في أي مكان كان، بأية روح وعاطفة وذكرى ... أحسك هوة كبيرة شاسعة في، لا تجسر ولا تعبر ولا يملؤها موجود الكون كله، هوة تجذبني نحو الأعمق الأعمق الأعمق، حيث ينتظرني ظلام العالم كله ومواته وثعابينه وعناكبه الشرسة وشياطينه، وكل مخافة وطريق مسدود وشوك.
أنا أغفر الآن لك إن مت، فاغفر لي إن جهلناك واختلط علينا اسمك برسمك بقولك، تبدو الآن واضحا جليا، كتابتك البسيطة السهلة المزينة بالأخطاء الإملائية والنحوية والتباس المعنى، كتابتك الجميلة في صدقك وطبيعتك، أنت الآن معي ... غريبان في مكان تنتهكه العادية ويسود فيه اليومي ... أنت تعرف أنني ما نسيتك لحظة واحدة، لقد كنت معي تشاركني في اتخاذ القرارات الكبيرة التي أحتاج فيها لرأي آخر، وقد سافرت معي إلى هولندا قبل خمس سنوات، ولو أنها لم تكن تلك التي شاهدناها في أطلس الصور والرسومات، لكنها كانت أجمل بكثير، أكثر بآلاف المرات مما كنا نتصور ونتخيل ونضيف إلى الصور مما نتوقع أنهم لم يصوروه لنا، إنها بلاد مدهشة ونظيفة ... كل شيء فيها نظيف، وهذا أول ما كنت سوف تنتبه إليه، وكنت ستفاجأ أيضا بأن الطواحين التي على الأنهر الصغيرة التي كنا نتعشقها سويا، ونظن أنها على شواطئنا ونختلق القصص الغرامية، مثل تلك القصة المصورة التي قرأناها «طاحونة على نهر الفولص»، وهي القصة الأخرى الجميلة المترجمة أيضا «رسائل طاحونتي». وأخبر بمفاجأة أخرى أنني وجدت الكتاب الذي فيه قصة «الطواحين الهوائية»، وهو كتاب كبير جدا جدا ويعتبر من أقدم الروايات، وقصة الطواحين الهوائية هي واحدة من مغامرات كثيرة يحتويها الكتاب، واشتريت منه نسخة مصورة في عشر مجلدات، أعلم أنك لا تقرؤها فلقد كبرت كثيرا، ولكنها مهداة لك على أية حال، وربما إذا أنشأت مكتبة للأطفال في المدينة سأهديها باسمك، عل محمد آدم ابن خالتك ونوار ابنة سابا الصغيرين يوما ما يتطلعان عليها. في كراستك وجدت رأيك في أبي، ولو أنك كنت حادا بعض الشيء، إلا أنك اقتربت من كنه حقيقته، وربما الصفات الجميلة التي وصفته بها في آخر مقالتك كانت هي الأصدق والأدق.
أضحكتني كثيرا فكرة أنك خفت كثيرا مرة عندما ظننت أنك جعلتني أحبل، وأنهم سوف يكتشفون ذلك وسوف يفتضح أمرك، حقيقة كان ذلك اليوم يوما مدهشا، أنا نفسي كنت خائفة؛ لأنني ظننتك أصبت بسوء ... الآن وقبل سنين كثيرة عرفت أنك بلغت مرحلة الرجولة في ذلك اليوم، أما أنا فما كنت قد بلغت مرحلة الأنوثة بعد، وإلا لكان خوفك في مكانه؛ لأنك بللتني بمائك في أماكن خطيرة، وعرفت أن أمي عرفت تلك الحادثة؛ لأن للشيء رائحة مميزة، وأننا استخدمنا ثوب أمي في تجفيف جسدي، بل سألتني عما فعلنا فأنكرت، وقالت لي: في يوم حيذبحك أبوك؛ لأنك حتحملي بالحرام.
ونصحتني في مرة أخرى قائلة : ما تخلي أي زول يلمسك هناك إطلاقا، لأنو دا المكان الوحيد اللي بيدخل البنت النار يوم القيامة، والرجال كلهم هدفهم الأساسي إنو البنات يدخلو النار يوم القيامة، عشان الجنة تفضى ليهم براهم مع بنات الحور، اسمعي الكلام ده سمح.
الآن وبكل صراحة ووضوح أتمنى لو أنك فتحت لي باب الجحيم ذلك، أتمنى لو كنت عشت قليلا لتدخلني النار ثم تمضي أو نمضي معا، صدقني لم أحلم برجل إطلاقا منذ زمن طويل غيرك، فقط قبل أعوام قليلة عندما تعرفت على مايكل وهو شاب في عمرنا تقريبا مجدا ذكيا وسيما، تخرج في كلية الفنون شعبة النحت، بالرغم من أنه مسيحي إلا أننا سوف نتزوج وسوف لا نخشى أحدا، كفاية أنني جاملت كثيرا وراضيت كثيرا وأرضيت؛ من ناس ومؤسسات واتجاهات فكرية وغير فكرية، والآن حكمتي هي: «ما يفيد الإنسان إذا ربح العالم كله وخسر نفسه.»
Page inconnue