فوجئت تماما، وأدركت أنني بين فكي غول، أردت أن أقول شيئا ولكنه قال بسرعة وهو يضع البنت الصغيرة في رجليه الكبيرتين: اسمعني جيدا يا أمين، أنت عمرك حاليا على مشارف الأربعين، ولكنك تتعامل بعقلية طفل صغير، والصعلكة اللي بتعملها دي أنت ما بتعرف خطورتها ولا حدودها، وتتصرف في الدنيا دي زيك زي أي كلب مطلوق ما عنده سيد وسعران، يعض اللي يجده، حتى نفسه ذاتها، نعم أنت متعلم أكثر مني، وأنا زول تخرجت من الأولية ولكن الأكبر منك بيوم بيعرف أكثر منك بسنة، وبيني وبينك على الأقل عشرين سنة، وأنا عارف كل شيء عنك، ومن الأحسن يا أمين تشوف مستقبلك وحياتك وتعود لأمك وأسرتك وزوجتك وتخلي الناس في حالهم، وأنا عارف أنت دائما بتحاول تغوي سابا، ودائما تحاول تضللها، وأنا أعرف أنك حاولت تردها للدين المسيحي، وراودتها عن نفسها ولكنها ردتك، أنا أعرف زوجتي جيدا وعايز أعيش مع أسرتي وبنتي في سلام وشرف، وهي فرصة أخيرة بالنسبة لك، وأنا قادر بعدها أحسمك بطريقة يندهش ليها الجن نفسه، موضوعك دا ما بياخد مني قدر رمشة عين. وأقول ليك: سابا تخلي بنفسها أخبرتني بمؤامرتك الأخيرة، وحتى تسجيل البنت وتغيير اسمها، وهي دي الشهادة اللي وعدك بيها القمسيون الطبي أرسلها لي بنفسه.
وأخرج الشهادة من جيبه برهانا جليا، وعرضها بصورة استفزازية وقحة: آها، رأيك شنو؟
كنت أحاول أن أكون قويا وأبدو كما لو كنت على حق مدعيا متكبرا، ولكن الإحساس بأنني أصحو أو سكران أو أن شيطانا في صحوتي يكشفني لنفسي ... كان يسيطر علي هذا الإحساس الغريب، وحاولت أن أراوغ، ولكن نوار سعد قالت لي بصورة مسرحية مفاجئة: أنت طالق يا أمين محمد أحمد!
كانت تقف أمامي مباشرة وهي ترقص ردفها بثقة في تحد، قلت وقد جف حلقي وكاد صوتي يختفي: أنا؟
قالت وما برحت مكانها بعد تبحلق في وجهي: نعم، أنت طالق!
ثم أضافت وهي تمضي بعيدا نحو سفرة الطعام: فالعصمة في يدي أنا، ودا كان شرط زواجي منك، هل نسيت؟ أنا الآن أطلقك، أنت طالق طالق طالق.
صرخت في هستيرية مفاجئة، قلت موجها كلامي إلى طه مشيرا إلى ابنتي، وقد أتتني شجاعة من حيث لا أدري: البت دي بتي!
وأشرت إلى نوار الصغيرة وهي ترقد في حضنه.
قال مندهشا وهو يقبض على نوار الصغيرة التي يبدو أنها قد نامت، أمسكها برعب كأنما هنالك نسر كبير سيخطفها منه: منو؟ - نوار. - بنتك أنت! أنت أمين القدامي دا؟ اللي طلقوك الآن زي المرا؟
مشيرا إلي بأصبعه الأصغر. - نعم، بنتي أنا أمين اللي قدامك دا.
Page inconnue