ابتسمت، وكنت أعرف وهي أيضا تعرف أن تلك الجنة كانت نوار وأسرتها فيها مشردين، ويفتك بهم الجوع، ونصيبهم منها نصيب الطير، وهي نفسها قصت لنا ذلك فيما قبل. - أمين، الأنادي دي كانت احتفالية شعبية مدهشة.
الجروف، المزارع، النيل، السوق، عم محمد زين بائع النيفة ود دينار، أوشيك، ود الكشيمبو بت كرار، حريرة أم جبرين، حواية بت أم دقة، كرارية، بت جادين ، ود النذير وحوش ود النذير ... عبد الله على الله، الرفاعي، طيارات، كبسون السماك. - هناك، تتذكري، جنب حلة الشراميط، الله يرحمه ود النذير. - كان راجل شهم. - أمين، حأحكي ليك في يوم ما عن ود النذير وكلبه اللي عنده فك واحد.
كانت نوار سعد مثل طفلة صغيرة، استيقظت فجأة ووجدت اللعبة التي تحبها وتحلم بها، سنوات من الطفولة المعذبة الطويلة. كانت فرحة ومبتهجة وهي تقفز على الرمال والخيران وبقايا المنازل القديمة المهجورة الجميلة، وهي تسأل، تجيب، تبحث وتتذكر، تتكلم بدون انقطاع، تربت على رءوس الأطفال؛ تعطيهم بعض العملات النقدية، تقبض على يد الخير فجأة ... - أمين، أنا والخير دا لعبنا سوا، دخلنا المدرسة في يوم واحد، تتذكر يالخير، مدرسة الجبوراب المبنية من الكرانك.
في تلك الليلة التي قضيناها في منزل الخير أعطتني نوار سعد نفسها بعمق وحب لم تفعله من قبل ولا من بعد، فيما بعد عرفت أنها ما كانت تهب نفسها لي أنا بالذات، ولكن كان ذاك هو الخير، كانت ترقد معي وتقبلني وتهبني الحياة واللذة العظيمة والألم والحب، جسدي أنا: روح الخير، وربما كان العكس صحيحا أيضا، روحي أنا وجسد الخير.
قالت لي ذات يوم وهي مخمورة: الليلة التي قضيتها مع الخير في القرية كانت أسعد لحظات حياتي.
ذبح لنا الخير عند الفجر حملا سمينا، أكلته النسوة الجيران معنا، تجمع بعض الشيوخ والأطفال تحت الراكوبة الكبيرة، وأخذوا يعيدون شريط الذكريات ويحكون عن أبنائهم المغربين وأصدقائهم الذين عبروا للحياة الأخرى، عن القرية التي أصبحت خرابة كبيرة، حتى النيل لم يعد كما هو ... ودعت أهل القرية، وعدتهم بأنني سأزورهم كل عام، وعدهم أمين أيضا بذلك، قد أحب الجميع، ولو أنهم سخروا قليلا مني؛ لأنني تزوجت «شافع» صغير، قالت لي امرأة عجوز في مكر، وكانت تعرف كما عرفت القرية كلها في اللحظات الأولى لقدومنا أن أمين هو زوجي: الود دا راجلك ولا سواق؟ - راجلي يا أمي. - مش كان أخير ليكي تعرسي الخير يا بتي؟
ضحكت زوجة الخير زينب الصغيرة وأكدت أنها ترحب بالفكرة، فقط علي أن أطلق أمين، والشرط الآخر أن تذهب هي وعيالها، والزوجة الأخرى زينب الكبيرة وعيالها أيضا معنا إلى السكن في الخرطوم في صحبة الخير. ضحك الجميع ولكنني فهمت الدرس.
أنا والخير نحتسي الشاي في ديوانه الكبير بعد أن غادر الذين جاءوا للتحية والتفرس في زوج نوار سعد الصغير، الذي هو أنا. كان يحكي لي حكايات جميلة عن المكان والناس والحيوانات؛ حميره، كلابه ونسائه، وقال لي بصورة واضحة وبلذة غريبة أنه زوج لنساء كثيرات بالحلة وبالقرى القريبة، وعندما سألته ما إذا كان ذلك تحت مظلة شرع الله ورسوله، قال: مش بعيد شديد عن شرع الله ورسوله ... يعني.
قلت له إنني لا أفهم، قال وهو يصب لي مزيدا من الشاي: البلد دي كلها نساوين، وأنا الراجل الوحيد، يعني أعمل شنو؟
قلت له ضاحكا مدعيا أنني فهمت: الضرورات تبيح المحظورات.
Page inconnue