وأخذ يضحك. وقررت بيني وبين نفسي، قررت.
وبمجرد أن ضرب على القبر ضربة قوية بالجاروف، إذا بالقبر ينهار وتسقط القبة الخارجية للداخل، وهي تصدر صوتا مرعبا، ثم تظهر حفرة عميقة مظلمة لا نهاية لها ... قال ضاحكا: انظري، فالقبر كما يقولون إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ... إنه قبر صديقك: روضة أم حفرة؟ نعم، نسيت أن أقول لك إننا أخذناه من هذا الجحيم وأعدناه للصحراء مرة أخرى؛ لأننا نحتاج للحفرة دي في الشغل ... ما رأيك حنقضي جزء من شهر العسل هنا ... جو الحفرة دي، هل في الكون رومانسية وحشية أكتر من كدا؟
لا أدري كيف، ولا من أين أتتني قوة مدهشة في القلب واليد؛ لأنني دونما أشعر وجدت نفسي أضربه على صدره بالجاروف ليسقط على الأرض والدم يسيل من أنفه، كنت أضربه بدون توقف، بسرعة، بخوف، دون تردد أو رحمة، دون تفكير في كل مكان بجسده، إلى أن همد تماما، ثم قمت بسحبه إلى الحفرة ورميته فيها، فذهب لعمق لا أعلمه، مصدرا دويا هائلا ثم صمت. بقيت واقفة أنظر في عمق الهاوية لزمن لا أعرف مقداره قبل أن أخرج، أطلق ساقي للريح في الفلوات دون هدى، عندما انتبهت إلى نفسي وجدتني على مشارف المحراب ... وهنالك بدأت قصة هروب أخرى استمرت خمس سنوات ... وسأكتب ذلك تحت العناوين التالية: الجثة، الحرية، الكهف مرة أخرى.
رسالة: الأصدقاء لا ينسون
أسوأ ما في الموت أنه يحرمك من التسكع ليلا في الشوارع، هي الفكرة الوحيدة التي توصلت إليها من خطاب دوشكا تودروف، صديقة وربما حبيبة مايا زوكوف، وهي السيدة التي أخبرتنا بموته أو انتحاره. لكي أقرأه مرة أخرى وضعته تحت المخدة وخرجت. الفصل صيف، أخذت الأشجار تسقط أوراقها بكثرة عندما ترك عليها عصافير الدوري الصغيرة أو عندما تعبث بها أنامل الريح، تعلمت من المختار ألا أتضجر من الأوراق المتساقطة؛ لأنها كما يقول: هي ما أوساخ قد تكون أي شيء آخر ... لكنها ما أوساخ.
الآن أحس بها أقرب إلي من كل شيء ، كنت أجمعها برفق وأضعها في حوض ضخم، قام بحفره أمين محمد أحمد، لم يحفره من أجل أوراق الأشجار، ولكنه يود أن يفعل شيئا واضحا، ولا يمكن محوه أو نسيانه بسهولة ليذكره بما سماه: أكثر أيام حياتي دهشة.
ولم يكتف بالحفر، ولكن بنى صرحا من الأسمنت كتب عليه:
أشكرك يا ربي على هذا اليوم المدهش
على أرواح الأشجار المتقافزة في اخضرار
على حلم السماء الأزرق الحقيقي
Page inconnue