فأطرق ضرغام استحياء وقلبه يرقص طربا لما يتوقع من فرح جهان بارتفاعه في نظر الخليفة، وبأنه صار أهلا لها بحق - والمحبون إنما يطلبون العلا إرضاء لأحبائهم - ونظر إلى الخليفة وقال: «لم أعد أستطيع الشكر على نعم مولاي.»
فقال: «إذا كنت تعد هذه نعما، فكيف بما أعددته لك من النعم الحقيقية؟»
فظل ضرغام ساكتا واستأنف الخليفة الكلام قائلا: «علمت أنك لم تتزوج بعد وأنك تقيم مع والدتك. فأردت أن تقيما بقصر خاص بجوار هذا القصر، وقد آن لك أن تتزوج. أليس كذلك؟»
فأطرق ضرغام أدبا وقال: «الأمر لمولاي.»
قال: «لقد استحسنت لك جارية تركية عرفت فيها الذكاء والجمال. رأيتها منذ عام وبعض العام فأضمرت أن أزوجك منها.»
فلما سمع ضرغام كلامه سقط في يده؛ لأن قلبه ليس له، وقد أحب جهان ولا يريد أن يحب سواها، ولكنه لم يستطع مخالفة الخليفة ولا استطاع التأمين على قوله، فظل ساكتا وقد حار في أمره.
فرأى المعتصم حيرته، ولم يدر في خلده أنه يمتنع. فقال: «لماذا لا تجيب؟ ألم يرقك اقتراحي؟»
قال: «كيف لا! إن جوار أمير المؤمنين أمنية الأماني.» وسكت عن الزواج فظنه الخليفة سكت حياء فقال: «والزواج ... لعلك لست كسائر الناس؟ ليس في جندي واحد لا يتمنى الزواج؛ ولذلك تراني أبعث في ابتياع الجواري لهم من تركستان؛ لأني لا أريد لهم أن يختلطوا بالسوقة ببغداد وغيرها فيغلب عليهم التخنث. أم لعلك تؤثر أن تختار جارية من الجواري اللواتي ابتعتموهن في هذه الرحلة. ولكنك لن تجد في تركستان كلها فتاة أجمل من التي اخترتها لك ولو جهدت. ويكفي أن اختياري وقع عليها. وقوادي يتنازعون عليها لفرط جمالها وذكائها ولكنني قد اختصصتك بها دونهم!»
فلم يجد ضرغام سبيلا للقبول أو لإبداء ما يجول في خاطره، ثم تشجع وقال: «إننا في حرب أو في تأهب لحرب، ومتى فرغنا من ذلك فإني عبد أمير المؤمنين.»
فاكتفى المعتصم بما سمعه وأعجبه منه تأهبه للحرب فقال: «وهب أننا في حرب فلست تفارق قصري. وأت بأمك وأهلك إلى هنا وأخبرها أن اسمك من اليوم «الصاحب»، وسأوصي بطانتي وقوادي وسائر رجال دولتي بذلك.» ثم تزحزح من مكانه فتحفز ضرغام للنهوض وقال: «أيأذن أمير المؤمنين في أن أذهب لأخبر والدتي بما أمر؟»
Page inconnue