قال: «لا. لم أجده.»
قالت: «ألا تعلم أن رجوعك وحدك يغضب أبانا؟»
وبينما هما في ذلك سمعا المرزبان ينادي من الداخل: «لا تدخلوا علي سامان، ادخلي يا جهان.»
فالتفتت إلى أخيها وقالت له هامسة: «اذهب يا أخي إلى الإيوان، ولا تكدر أبانا، وسأعود إليك حالا.» فأطاع وانصرف. ودخلت هي فوجدت القيم جاثيا بين يدي أبيها وأمامه أوراق ودفاتر وقلم ودواة، ورأت أباها جالسا في السرير وقد تغير وجهه وبدا الجد في عينيه، فلما دخلت رفع بصره إليها وابتسم، فبشت له ودنت منه فقبلت يده وقالت: «وكيف أنت الآن يا أبتاه؟ عسى أن تكون بخير!»
فضمها إليه وقبلها وأطال معانقتها، وأحست بدمعة حارة سقطت على عنقها فارتجفت ونظرت في وجهه فرأت الدمع في عينيه، فأثر منظره فيها، وكأنه خاف أن تنزعج فقال وهو يتكلف الابتسام: «إنني في خير. لا تخافي. سأعمل كل شيء في سبيل راحتك، اجلسي.» وأشار إلى القيم فخرج وأغلق الباب، فأعادت نظرها إلى ما بين يدي أبيها من الأوراق والدفاتر ولم تستحسن أن تسأله عنها.
أما هو فتثاءب وأشار إليها أن تساعده على التوسد فأعانته، فاستلقى واتكأ على الوسادة وقال: «علمت أن أخاك سامان عاد هذه المرة أيضا وحده، فإنه لا يرى في مجيء الموبذ نفعا له.»
فقالت: «لقد أرسل ضرغام خادمه ليأتي بالموبذ، ولا يلبث أن يجيء، فاطمئن.»
وقد ذكرت ضرغاما عمدا لترى ما يبدو من أبيها، فقال: «إن ضرغاما جل كريم النفس، وقد سررت بلقائه وهو جدير لأن يكون أخا لك لا سامان الشرير.»
فسرها ثناؤه على حبيبها، وهمت بأن تفاتحه في شأنه وإذا بالحاجب دخل يقول: «الموبذ بالباب ومعه الأفشين.»
فلما سمع اسم الأفشين أشرق وجهه وبغت وقال: «والأفشين أيضا؟!»
Page inconnue