حينما خرج وردان من قصر المرزبان رأى الناس يتزاحمون ببابه بأفراسهم وهداياهم وعليهم أثواب العيد وهم ينتظرون الإذن في الدخول، فلما رأوه خارجا جعلوا يتساءلون عن سبب عجلته وسأله بعضهم عن حال المرزبان فلم يجبهم وظل سائرا حتى جاوز القصر، فمضى في الطريق وقد تزاحمت فيها الأقدام وتصادمت المناكب والناس في شغل شاغل من أمر العيد، وهم يحملون الفاكهة والحلوى، ويتبادلون التهنئة. فلم يكترث لشيء من هذا، ومشى حتى أطل على بيت النار. والأعلام تخفق على سوره وحوله مقاصير تعد بالعشرات، يقيم بها السدنة والخدم والقوام، وقد تزاحم الناس ببابه الذي زين بالريحان. فتظاهر وردان بأنه واحد من عباد النار وقد جاء لأداء فريضة الزيارة. ودخل إلى صحن المعبد فرآه مفروشا بالديباج والحرير، تحيط به أروقة مستديرة قد علقت فيها الستائر المطرزة وبعضها مرصعة بالحجارة الكريمة.
واتصل من الصحن بباحة المعبد حيث يقيمون الصلاة، فإذا هي بقعة مربعة يقوم وسطها بناء معقود في وسطه فجوة بمثابة الباب يصعد إليها بخمس درجات. وحول الباحة أحواض ملتصقة بالجدران أوقدوا فيها النيران وأحرقوا البخور فتصاعد دخانها في الفضاء، وعلى زوايا القبة أجران تصاعد دخانها كما تصاعد من مئات أمثالها فوق السور. وفي بعض جوانب الباحة إلى اليسار وعاء مستدير مملوء بالنفط يتصاعد اللهب من فوهة فيه، وقد اصطف الناس حوله بين جلوس ووقوف وهم يتعبدون أو يصلون.
ورأى رجلا واقفا على الدرج ظنه الموبذ، فهم بالذهاب إليه فاعترضه رجل على رأسه قلنسوة مستطيلة هرمية الشكل عرف من منظره أنه أحد السدنة، فقال له وردان: «أريد مولانا الموبذ. أليس هذا هو؟» وأشار إلى الرجل الواقف على الدرج.
فقال السادن: «كلا، إن الموبذ مشغول الآن.»
قال: «وأين هو؟»
قال: «ما لك وله؟! إذا شئت الصلاة أو البركة فهذه هي النار في الأجران.»
قال: «بل أنا أريد الموبذ.»
فحول الرجل وجهه عنه وقال: «إنك لن تظفر برؤيته إلا بعد الصلاة.»
فاستمهله قائلا: «لا تغضب يا سيدي فإني غريب وقد أتيت من خوكند بالأمس وعهدي بكم تكرمون الغرباء.»
فخجل السادن ووقف له وقال: «ألم تأت للصلاة أو الاقتباس؟ أمامك النار المقدسة فاقبس منها ما شئت.» قال: «بل أنا أريد الموبذ.»
Page inconnue