والفيل لا تخضب أعضاؤه
إلا لذي شأن من الشان
ثم أدخل بابك دار المعتصم، فأمر بإحضار سياف بابك فحضر، فأمره المعتصم أن يقطع يديه ورجليه فقطعهما، فسقط فأمره بذبحه ففعل. وشق بطنه وأنفذ رأسه إلى خراسان، وصلب بدنه بسامرا. وأمر بحمل أخيه عبد الله إلى إسحاق بن إبراهيم ببغداد، وأمره أن يفعل به ما فعل هو بأخيه بابك ففعل وضرب عنقه وصلبه في الجانب الشرقي بين الجسرين. وكان ذلك آخر عهد الخرمية.
وكان ضرغام ووردان في جملة الذين رجعوا مع حملة الأفشين وشاهدا قتل بابك فاشتفيا بقتله، وود ضرغام لو أنه قتله بيده في المعركة. وحال وصولهم إلى سامرا سار ضرغام إلى منزله وقبل يد أمه وسلم على ياقوتة وبشرها بلقاء حماد، فلم تعد تعرف كيف تشكره. ثم أخبر أمه بطرف من خبر جهان وبأنها ذهبت إلى بلاد الروم وأن حمادا أبى إلا أن يبحث عنها بنفسه. قال ذلك وياقوتة حاضرة، ونظر إليها وابتسم وقال: «أظن هذا الخبر يسوءك. ولكنه أبى إلا الذهاب.»
فتوردت وجنتاها خجلا وأطرقت وقالت: «مهما نفعل فإننا لا نفي ببعض فضلك، فقد أنقذتني من القتل والعار وكفلتني.»
فقطع كلامها قائلا: «لم أقم إلا ببعض ما وجب طبقا لإشارة أمير المؤمنين فنحن عبيده وعلينا طاعته.»
ورأى ضرغام في وجه ياقوتة تغيرا وفي عينيها ارتباكا كأنها تهم بشيء يمنعها الحياء من ذكره فسألها عما بها فقالت: «أذكرني تفانيك في نصرة أمير المؤمنين شيئا لحظته خلال إقامتي ببيت الحارث السمرقندي، وأخشى منه على حياة أمير المؤمنين. فقد فهمت أن هناك قوما يتآمرون على حياته.»
فلم يشأ ضرغام أن يعير الأمر اهتماما فقال: «إننا لا نحفل بما يكيده بعض الخونة لأمير المؤمنين فمعظم ما يأتمرون به لا يترك أثرا، وسببه على الغالب جهل بعض أهل الخليفة الأقربين فيزين لهم ذوو المطامع من الوزراء أو القواد أن يسعوا إلى الخلافة ليستفيدوا هم من انتقالها من يد إلى يد، وهذا العباس ابن المأمون قد حسن له بعضهم أن يطالب بالخلافة لنفسه ولا ينالها إلا إذا قتل المعتصم، فهم يتآمرون ويتواطئون على قتله ولكنهم لا يفلحون، وسيرد كيدهم إلى نحورهم.»
فلما سمعته أمه أشرق وجهها وابتسمت وقالت: «بورك فيك يا بني، هكذا الأمانة، وهكذا الرجال.»
ثم لبس سواده وذهب للسلام على المعتصم وعنده الأفشين وغيره من كبار القواد، فلما دخل عليه هش له وقال: «مرحبا بالصاحب البطل الهمام. بلغنا ما كان من بلائك في الأعداء وما أبديته من البسالة والهمة بورك فيك. ألا تزال ترى لقب الصاحب كثيرا عليك؟» وأشار إليه بالجلوس قريبا منه.
Page inconnue