لم يكن ثمة شيء محدد في الكاهن مولر يثير النفور منه؛ فثيابه نظيفة وأنفاسه تفوح برائحة النعناع، وهو يتحدث دون أي بادرة من التكبر؛ ولكن لم تستطع إلينورا أن تتخلى عن الشعور بأنهما ذوا أهداف متناقضة، رغم كل الأدلة التي تؤكد عكس ذلك.
قال وهو يشير إلى المقعد المجاور له: «تفضلي بالجلوس، إذا سمحت.»
ترددت إلينورا لحظة، ثم اتجهت إلى الجانب الآخر من الغرفة وجلست في المقعد المجاور له. كانا جالسين على المائدة المصمتة المصنوعة من خشب البلوط التي يطلق عليها البك مكتب الكولونيل؛ وذلك لأسباب لا تعلمها، وإن كانت ترجح أنها ذات صلة بمهنة مالكه السابق. «ما زلت لا تتحدثين؟»
فهزت رأسها إيجابا. «سيصعب علينا القراءة بصوت عال.»
وجدت إلينورا ورقة في أحد أدراج المكتب، فأخرجت قلما من جيب عباءتها.
ثم كتبت: «يمكنني أن أسمع، ويمكنني أن أقرأ أيضا.» «حسنا.»
قلب الكاهن حتى الصفحة الرابعة من كتاب قراءة مهترئ ذي غلاف باللونين الأحمر والذهبي، يشبه كثيرا ذلك الذي أحضره على العشاء في تلك الليلة، وبدأ على الفور يقرأ متتبعا أسفل الكلمات بأصبعه. «منسا منسا منسام منساي منساي منسا.»
وفي نهاية العمود توقف واستدار نحو إلينورا. «هل فهمت؟»
فهزت رأسها. «إنها اللاتينية، لغة روما، لغة فرجيل وأوفيد وشيشرون وقيصر.»
كانت تعرف من هو أوفيد؛ فكل أهل كونستانتسا يعرفونه، وقيصر إمبراطور روماني، وفرجيل هو من كتب «الإنيادة»، ولكنها لم تكن قد سمعت عن شيشرون. «من هو شيشرون؟»
Page inconnue