Carl Buber : Cent ans d'illumination
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
Genres
يتساءل بوبر: «كيف يمكن تفسير كل هذا النفوذ؟» ثم يقدم بعض التفسيرات:
يستشهد بوبر برأي شوبنهاور حول سر نفوذ هيجل، فيقول إن فلسفة هيجل كانت تلهمها دوافع خفية، هي مصلحته الخاصة في عودة الحكومة البروسية لفردريك وليم الثالث، وهي بالتالي يجب ألا تؤخذ مأخذ الجد. لقد كانت الحكومات تستخدم الفلسفة كأداة لخدمة مصالحها، والفلاسفة قد جعلوا منها تجارة. ومن ذا الذي ينتظر من الحقيقة أن تظهر بهذه الطريقة إلى النور كمجرد نتاج ثانوي؟
16
لسبب ما، دأب الفلاسفة على أن يحيطوا أنفسهم بشيء من مناخ السحرة. ودأب الناس على أن يعدوا الفلسفة شيئا عجيبا وعويصا يتعامل مع تلك الأسرار التي يتعامل معها الدين، ولكن ليس بالطريقة التي يمكن أن يفهمها عامة الناس. إنها تعد أعمق من أن يفهمها هؤلاء، وتعد لاهوت المفكرين والمثقفين والحكماء. والهيجلية تطابق هذه المواصفات أروع مطابقة. إنها تطابق ما تفترضه هذه الخزعبلات الشعبية في الفلسفة. فهي تعرف كل شيء عن كل شيء، ولديها إجابة جاهزة عن كل سؤال (وحقا، من ذا الذي يمكنه أن يقسم أن الجواب غير صحيح؟) لقد كان هيجل، وهو مصدر كل التاريخانية المعاصرة، تابعا مباشرا لهيراقليطس وأفلاطون وأرسطو. وقد حقق أعجب العجائب، فهو ساحر قدير، وبميسور طريقته الديالكتيكية الفعالة أن تخرج أرانب فيزيقية حقيقية من قبعات ميتافيزيقية خالصة. وهكذا نجح هيجل منطلقا من محاورة طيماوس لأفلاطون وشعوذتها عن العدد في أن يثبت بالطرق الفلسفية الخالصة (بعد «أسس»
نيوتن بمائة وأربع عشرة سنة) أن الكواكب لا بد لها أن تتحرك وفق قوانين كبلر! بل إنه تمكن من استنباط الموقع الفعلي للكواكب، وبذلك أثبت أنه لا يمكن أن يقع كوكب ما بين المريخ والمشتري (ولسوء حظه فقد فاته أن مثل هذا الكوكب كان قد اكتشف قبل ذلك ببضعة أشهر).
17
ذنب إيمانويل كانت: في كتابه «نقد العقل الخالص» يحذر كانت، متأثرا في ذلك بهيوم، من أن نرخي العنان للتأمل النظري المحض دون سند، إذ إنه يؤدي إلى التورط في «النقائض»
Antinomies
وإلى إنتاج الهراء والوهم والدوجماطيقية العقيمة والتظاهر السطحي بمعرفة كل شيء. حاول كانت أن يبين أن كل حكم أو دعوى ميتافيزيقية عن بداية العالم في الزمان مثلا أو عن وجود كائن ضروري أو عن حرية الإرادة أو عن قابلية الانقسام اللانهائي للمكان، من الممكن أن تقابل بدعوى مضادة تنطلق من نفس الفروض ويبرهن عليها بنفس الدرجة من البينة.
كان هدف كانت ومقصده هو أن يوقف مرة وإلى الأبد ذلك التدفق اللعين للمتفيهقين في استخدام الجدل العقلي. وقد كانت النتيجة أنهم توقفوا عن محاولة التعليم ولم يتوقفوا عن اختلاب العامة. والحق أن كانت يتحمل شطرا كبيرا من المسئولية عن ذلك! لأن الأسلوب العويص المستغلق الذي كتب به «نقد العقل الخالص» (والذي كتبه بعجلة كبيرة، وإن جاءت بعد سنين طويلة من التأمل) قد أسهم إسهاما كبيرا في انحدار مستوى النصوع والوضوح في الكتابة النظرية الألمانية.
Page inconnue