Arabes de cette époque : un pays sans maître
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
Genres
الثقافة الخائفة
الثقافة الخائفة هي إحدى أنماط علاقة الثقافة بالسلطة. ليست الثقافة المبررة للسلطة، وليست الثقافة المعارضة للسلطة، وهما النمطان الشهيران، بل الثقافة الهامشية التي تسير بجوار السلطة وعلى حافتها، لا تبرر ولا تعارض، ولا تثبت ولا تنفي، بل تجعل الثقافة منفصلة عن السياسة والواقع، عالما مستقلا بذاته، لا ينفع ولا يضر طعام
لا يسمن ولا يغني من جوع (الغاشية: 7)، وظيفته ملء الفراغ، وإظهار أحد مكونات الدولة الحديثة. هي ثقافة المؤتمرات الدولية التابعة للدولة، والتي يعد إليها إعدادا جيدا من الناحية التنظيمية؛ فنادق الدرجة الأولى، الانتقالات المنظمة بعربات الرئاسة أو وزارة الثقافة، الاستقبال، إعداد الأوراق وطباعتها قبل انعقاد المؤتمر ... إلخ.
موضوعاتها نظرية خالصة، علمية جامعية، مستقاة من أعماق التاريخ مثل الإيمان والعقل، الدين والعلم. طرف من عندنا وهو الدين والإيمان، وطرف من عندهم، العقل والعلم، لإلحاق القديم بالجديد، والماضي بالحاضر، والتقليد بالتجديد؛ تأكيدا على الهوية والإيمان أمام الجماهير؛ فالنظام السياسي في حاجة إلى سند شرعي من الدين لكسب الجماهير التقليدية في الداخل، وهو في حاجة إلى تحديث وتجديد وعصرية لكسب ثقة المثقفين العلمانيين في الداخل، ورضا النظم السياسية في الخارج. العلم من التاريخ، والفكر محايد موضوعي لا ينحاز لشيء، وإلا خرج عن الموضوعية.
يعتني بالكم دون الكيف، ما دام الكم غير مؤثر، والكيف غير وارد. المطلوب المهرجان والغطاء العلمي على الواقع السياسي. ليس له هدف ولا غاية إلا ملء الفراغ السياسي والثقافي. جمهوره صغير من العلماء المتخصصين في الداخل والخارج. يفتتحه رجال الرئيس؛ وزراء الثقافة والتعليم والشئون الدينية. وصورة الرئيس بملابسه الرسمية ووشاحه وأوسمته وعصا المارشالية التي ترمز إلى السلطة والأمن والجيش والشرطة؛ فالعبد يقرع بالعصا، والحر تكفيه الملامة. وفي خطب الافتتاح الرسمية يستشهد بأقوال الرئيس؛ فهو العالم الأول في كل الموضوعات، يعرف كل شيء، ويوجه كل نشاط، ويقترح كل موضوع، ويدعو كل ضيف. يذكر اسمه مع أفلاطون وأرسطو، والفارابي وابن رشد، وديكارت وكانط، وهيجل وماركس من القدماء، ودريدا وديلوز من المحدثين.
والفنادق على أطراف المدينة، لا يشعر بها أحد، ولا يقف المتظاهرون على الأبواب يحملون لافتات عن حقوق الإنسان، والمطالبة بالحريات العامة، ومناهضة أمريكة وإسرائيل لتعطيل حركة المرور وسط المدينة، أو لإثارة الشغب بفعل المندسين العملاء. معارك في الهواء، دخان يملأ الجو. فالثقافة غطاء وليست كشفا، تعمية وليست إيضاحا. الثقافة لا تنقد الوضع القائم، بل تضع فوقه ركاما من النظريات والمنقولات من القدماء أو المحدثين. يقوم بذلك موظفون في الدولة من أساتذة الجامعات أو وزارات الثقافة أو رجال الإعلام، وكلهم مرضي عنهم من النظام. وأساتذة من الخارج يشاركون في هذه التمثيليات الثقافية للإبقاء على الوضع القائم ؛ إمعانا في تغريب الثقافة بدعوى الموضوعية والحياد ضد الشغب السياسي والاختيار الأيديولوجي، وبيع الثقافة وشرائها في سوق السياسة.
يتوجس جميع المشاركين خيفة من أن يفلت اللسان، ويعبر عما يجيش في القلب. ويضع المثقف الوطني القيود على لسانه، والحواجز على قلبه، والإغلاق على ضميره؛ حتى يستطيع أن يتكلم بما لا يعتقد، ويقول ما لا يؤمن به، ويتفوه بالمطلوب منه قوله وفعله بالعربية وهو النادر، أو بالفرنسية وهو الشائع حتى يشارك الأجنبي لغته، ويبعد عن نفسه شبهة العروبة والإسلام في الداخل؛ فهو غربي فرانكفوني كما يريد النظام السياسي والقوى الخارجية. يقود عربته وفرامل اليد مرفوعة حتى تسير ببطء، ويتحكم في سرعتها حتى لا تنطلق العربة على سجيتها، ويعيش ازدواجية الخارج والداخل، القول والضمير، الكلام والاعتقاد (تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها).
ويصول الحضور ويجول بالفرنسية أكثر من العربية؛ فهو لا يقل حماسا عن المتحدثين. والكل لديه غيرة على العلم والحقائق العلمية حتى وإن غاب الوطن، وينفعل بتلك النظرية أو تلك لإخفاء انفعالاته الحقيقية بواقع الأمة وغياب حرياتها العامة، وديمقراطية الحكم، والتعددية السياسية، وحق الاختلاف، والرأي والرأي الآخر.
وتظهر القدرات اللغوية للفرانكفونيين استجداء لإعجاب الأجانب، واستعلاء على باقي الباحثين الوطنيين الذين ساروا في التعرب نصف شوط، وندموا على ما فعلوا بعد أن ولى عصر العروبة، وكاد يولي عصر الإسلام في حضور العولمة الطاغي في نظم التبعية لأمريكة وإسرائيل. ولعل أحد المسئولين يكون حاضرا فيلمح مثقفا جديدا يمكن تجنيده كمثقف للسلطة، يجمع بين الثقافة والسلطة بدلا من الصراخ في الهواء الذي يفيد فقط في جذب الانتباه وإن لم يفد في توعية الناس.
وكما بدأ المؤتمر الدولي بمبادرة من الرئيس، كذلك ينتهي بإرسال برقية شكر وتأييد للرئيس على رعايته للمؤتمر، وعلى فكرته العبقرية التي لولاها لما عقد مؤتمر، ولا تم نقاش، ولا فتح فم، ولا سمع صوت.
Page inconnue