Arabes de cette époque : un pays sans maître
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
Genres
ويقع تناقض آخر بين المقاومة الفلسطينية والعراق عندما أيدت المقاومة حرب الخليج الثانية والعدوان العراقي على الكويت؛ نظرا لوجود خمسة وثلاثين ألفا من المقاومة الفلسطينية في العراق، بناها العراق. والمقاومة الفلسطينية في النهاية تدين بالولاء للقومية العربية بالرغم من انتماءاتها الإسلامية. تجمع بين الوطنية والقومية والإسلام، الدوائر الثلاث، ميادين التحرك للتحرر الوطني العربي. كانت المقاومة الفلسطينية مع الثورة الإسلامية في إيران في بدايتها، وكان من الصعب عليها أن تأخذ موقفا في صف هذا الفريق أو ذاك، وبعد مرحلة الرومانسية الأولى في الثورة الإسلامية والمقاومة الفلسطينية عادت الحسابات السياسية التي قد تخطئ أو تصيب في الانحياز إلى أحد طرفي التناقض، وهو اختيار حر.
وانعكس ذلك على الوجود الفلسطيني في الخليج؛ فشعب فلسطين وعمال فلسطين لا بد أن يعاقبوا بسبب مواقف المقاومة الفلسطينية في حرب الخليج الثانية. ونشأ تناقض فرعي بين الوجود الفلسطيني والوجود المصري والوجود السوري في تولي الوظائف في الخليج، والكل يأكل من خشاش الأرض. وبدأ الترحيل للفلسطينيين إلى الوطن المحتل، أو إلى أوطان بديلة.
وظهر التناقض بين ما تبقى من نظم قومية والوجود الفلسطيني في ليبيا؛ فعلى العمال الفلسطينيين الرحيل إلى الدولة المقاومة التي لم تقم بعد، وما زالت أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، وإلى الوهم منها إلى الحقيقة. وموريتانيا تعترف بإسرائيل، وتقيم علاقات دبلوماسية معها، وهي ليست من دول الجوار؛ بناء على ضغوط أمريكية لإيقاع التناقض داخل الشعب الموريتاني بين مقاومة التطبيع وأنصاره كما وقع التناقض في جيش علي بين رفض التحكيم وقبوله، ثم تفتح مكاتب اتصال أو مكاتب تجارية في بعض دول الخليج وفي بعض دول المغرب العربي بحجة التجارة، أو عودة اليهود المغاربة إلى أوطانهم، كما يقع التناقض بين الشقيقة الكبرى والفلسطينيين المقيمين حول صعوبات الإقامة، والحصول على تأشيرات الدخول، وتحديد النشاط الساسي، أسوة بنشاط المعارضة من المصريين.
وتمتد التناقضات الهدامة خارج نطاق فلسطين ودول الجوار إلى تناقضات طائفية ومذهبية وعرقية في شتى أرجاء الوطن العربي، أكراد وتركمان وعرب في العراق، وبداية التطهير العرقي والترحيل، وعرب وبربر في دول المغرب العربي، وسنة وشيعة في العراق وباقي دول الخليج، ومسلمون وأقباط في مصر، ودروز وأكراد وعلويون ونصيريون وسنة في سورية، وموارنة وسنة في لبنان، وشماليون وجنوبيون في اليمن، زيدية وشوافع، وشماليون وجنوبيون وشرق وغرب في السودان حتى يبقى القلب وحيدا بلا أطراف، ونجديون وحجازيون في المملكة العربية السعودية، تقليديون ومجددون، محافظون وليبراليون، وقوميون وإسلاميون وقطريون في الكويت، وإسلاميون وعلمانيون في مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، وقبائل متناحرة على الجوع والجفاف في إريتريا والصومال، والحبشة لهما بالمرصاد.
لا يحمي الأوطان من هذه التناقضات الهدامة إلا وحدة الأوطان والولاء الوطني؛ فالوطنية هي الحل بصرف النظر عن تعدديتها العرقية والطائفية والمذهبية. ولما كان حدود الأوطان مصطنعة من بقايا الاستعمار القديم، فإن القومية العربية قد تكون هي الحل للم شمل الوطن العربي، ورفع التناقضات الهدامة فيه كما كان الحال في المد القومي العربي في الخمسينيات والستينيات، وكما جسدته الناصرية؛ أكبر تجربة قومية في تاريخ العرب الحديث قبل الوحدة اليمنية بين شطري اليمن. وقد يكون التجمع الثقافي هو الحل؛ الثقافة الإسلامية التي جعلت الوطن العربي بؤرة عالم إسلامي أوسع يتبرك به، ويسعى إليه لتعلم اللغة والثقافة والتراث المشترك. قد تكون التجمعات الإقليمية هي الوسيلة لحماية الوطن من التفتيت والتمزق، مثل تجمع مصر وإيران وتركية لحماية المنطقة من التجزئة الداخلية والعدوان الخارجي.
وتتطلب هذه البدائل الوحدوية كلها خيالا سياسيا قادرا على تجاوز الواقعية السياسية المرة، التي هي أقرب إلى الاستسلام منها إلى المقاومة. يتطلب نخبة ثورية جديدة بدلا من النخب الحاكمة التي طال عليها الزمن، أو إرادة شعبية قوية تفرض نفسها على مسار الأحداث،
ورحمتي وسعت كل شيء (الأعراف: 156).
غياب الوعي التاريخي
تهيج الذكريات في يونيو (حزيران) من كل عام؛ ذكريات الألم والمرارة والهزيمة من النكبة الثانية. ضاعت نصف فلسطين في العصر الليبرالي في 1948م، وضاع النصف الثاني في العصر القومي الاشتراكي في 1967م. ويقتتل الرفاق، حماس وفتح، في العصر الإسلامي. والماركسيون إما في السجون، أو عند الله، أو ما زالوا يحللون أو ينظرون. وتهيج الذكريات أكثر إذا ما انقضى عقد أو فاتت عقود من الزمان؛ فنحن الآن في الذكرى الأربعين، يونيو 1967م.
الاحتلال ما زال على الأرض فيما تبقى من فلسطين وعلى الجولان وفي جنوب لبنان، وسيناء منزوعة السلاح، وإسرائيل تفعل ما تشاء في فلسطين ضد المقاومة بعد أن قص ريش العرب حول مصر، وحوصرت مصر داخل حدودها من عدو بلا حدود. أمريكة حدودها العالم كله، وإسرائيل حدودها ما يستطيع جيش الدفاع الإسرائيلي أن يصل إليه. والمنقذ، أمريكة، لا ينقذ ولا يبيع إلا الوعود؛ دولتان جنبا إلى جنب يتعايشان في سلام، وإسرائيل تعتدي كل يوم على فلسطين، خارطة الطريق التي قبلها العرب على ضيم، حلم صعب المنال. ومبادرة السلام العربية لا أحد يتعامل معها؛ فإسرائيل تكسب بالعدوان أكثر مما تكسب بالسلام، وأمريكة تستعد للعدوان على سورية وإيران الرافضين لمشاريع التسوية، واللذين ما زالا يدعمان المقاومة، تكسب من السلام ومن العدوان في آن واحد، كالمقامر الخبير الذي يكسب في كل الاحتمالات أمام العرب الذين يخسرون في كل الأحوال.
Page inconnue