مقدمة
...
عَقيدَة الحافظ تقي الدّين عَبدالغني بن عَبدالواحد المقدسي "ت٦٠٠هـ"
حَققها وَخرج أحاديثها وعَلق عَليها: عَبدالله بن مُحمّد البُصَيري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فإني عثرت وبتوفيق الله تعالى على ثلاث نسخ خطية لعقيدة الإمام الحافظ تقي الدين عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي ﵀، وحيث أن هذه العقيدة تمثل منهج السلف ﵏ في أهم قضايا العقيدة وخاصة فيما يتعلق بصفات الله تعالى، ولما للعقيدة السلفية من أهمية بالغة في حياة المسلم فقد رأيت أن أقوم بتحقيقها ونشرها مساهمة مني في خدمة العقيدة السلفية ونشرها بين أبناء المسلمين، وأود أن أشير إلى أن هذه العقيدة قد طبعت عام ١٣٩١هـ ضمن مجموع في العقيدة بعناية الشيخ عبد الله بن حميد ﵀، لكنها نفذت الآن أسأل الله تعالى أن يجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وبهذه المناسبة أشكر الله تعالى على معونته وتوفيقه لي بخدمة هذه العقيدة كما أشكر كل من قدم لي عونًا أو مساعدة في نشرها وبالله التوفيق.
1 / 5
٣- عملي في الكتاب.
أولًا: ترجمة ١ الحافظ عبد الغني
اسمه ونسبه: هو الإمام الحافظ تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن
_________
١ مصادر ترجمة الحافظ عبد الغني رتبتها حسب أقدمية الوفاة:
١- ياقوت الحموي "٦٢٦هـ" معجم البلدان ٢/١٦٠ "جماعيل".
٢- محمد بن عبد الغني الشهير بابن نقطة "ت٦٢٩هـ" في التقييد ٢/١٣٨.
٣- ابن الدبيثي= أبو عبد الله محمد بن سعيد "ت٦٣٧هـ" في تاريخه: "انظر: المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي" انتقاء الذهبي ٣/٨٢-٨٣.
٤- ابن النجار= محمد بن محمود "ت٦٤٣هـ" في ذيل تاريخ بغداد "انظر: المستفاد من ذيل تاريخ بغداد لابن الدمياطي ص ١٦٧-١٦٩".
٥- المنذري - زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي "ت٦٥٦هـ" في التكملة لوفيات النقلة ٢/١٧-١٩ رقم ٧٧٨.
٦- أبو شامة= عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي الدمشقي "ت٦٦٥هـ" في الذيل على الروضتين ص ٤٦-٤٧.
٧- الذهبي= محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي "ت٧٤٨هـ" في تذكرة الحفاظ ٤/١٣٧٢، وفي سير أعلام النبلاء ٢١/٤٤٣-٤٧١، وفي العبر ٣/١٢٩، وفي دول الإسلام ٢/١٠٧، وفي المعين في طبقات المحدثين ص ١٨٦.
٨ ابن كثير= إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي "ت٧٧٤هـ" في البداية والنهاية ج ١٣/٣٨-٣٩.
١ ٩- ابن رجب= عبد الرحمن بن أحمد الحنبلي "ت٧٩٥هـ" في الذيل على طبقات الحنابلة ٢/٥-٣٤.
١٠- جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي "ت٨٧٤هـ" النجوم الزاهرة ٦/١٨٥.
١١- السيوطي= جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي "ت٩١١هـ" في طبقات الحفاظ ٤٨٥-٤٨٦، وفي حسن المحاضرة ١/٣٥٤.
١٢- ابن طولون= محمد بن طولون الصالحي "ت٩٥٢هـ" تاريخ الصالحية ٢/٤٣٩.
١٣- حاجي خليفه= مصطفى بن عبد الله "ت١٠٦٧هـ" في كشف الظنون ١٠١٣،١١٦٤،١٥٠٩،٢٠٥٣.
١٤- ابن العماد الحنبلي= عبد الحي بن العماد الحنبلي "ت١٠٨٩هـ" شذرات الذهب ج ٤/٣٤٥-٣٤٦.
١٥- صديق حسن خان "ت ١٣٠٧هـ" في التاج المكلل ٢١٣.
١٦- إسماعيل باشا البغدادي "ت ١٣٣٧هـ" ذيل كشف الظنون ٢/٦٩،١٤٨، ٤٩٣،١٩٦،٢٩٦،٣٠٨،٣١٨.
هدية العارفين له ١/٥٨٩ "هنا ترجمته"
١٧- الكتاني: محمد بن جعفر "ت ١٣٤٥هـ" الرسالة المستطرفة ٤٩.
١٨- بروكلمان "ت ١٣٧٦هـ" تاريخ الأدب العربي ٦/١٨٥-١٩٢.
١٩- خير الدين الزركلي "ت ١٣٩٦هـ" الأعلام ٤/٣٤.
٢٠- عمر رضا كحاله، في معجم المؤلفين ٥/٢٧٥.
1 / 7
وأقام هناك مدة سمع فيها من السلفي، ثم عاد إلى دمشق ثم رحل أيضًا إلى الإسكندرية سنة سبعين وأقام بها ثلاث سنين وسمع بها من الحافظ السلفي وأكثر عنه حتى قيل لعله كتب عنه ألف جزء وسمع من غيره -أيضًا-، وسمع بمصر من أبي محمد بن بري النحوي وجماعة، ثم عاد إ لى دمشق ثم سافر بعد السبعين إلى أصبهان وكان قد خرج إليها وليس معه إلا قليل فلوس فسهل الله له من حمله وأنفق عليه حتى دخل أصبهان وأقام بها مدة وسمع بها الكثير وحصل الكتب الجيدة ثم رجع. وسمع بهمذان من عبد الرزاق بن إسماعيل القرماني والحافظ أبي العلاء وغيرهما، وبأصبهان من الحافظين أبي موسى المديني وأبي سعد الصائغ وطبقتهما، وسمع بالموصل من خطيبها أبي الفضل الطوسي وكتب بخطه المتقن ما لا يوصف كثرة وعاد إلى دمشق ولم يزل ينسخ ويُصنِف ويحدث ويفيد المسلمين، ويعبد الله حتى توفاه الله على ذلك. وقد جمع فضائل الحافظ وسيرته الحافظ ضياء الدين في جزأين وذكر فيها أن الفقيه مكي بن عمر بن نعمة المصري جمع فضائله -أيضًا-.
حفظه: قال الحافظ الضياء كان شيخنا الحافظ لا يكاد أحد يسأله عن حديث إلا ذكره له وبينه وذكر صحته أو سقمه ولا يسأل عن رجل إلا قال: هو فلان بن فلان الفلاني ويذكر
1 / 8
نسبه. وأنا أقول١: كان الحافظ عبد الغني أمير المؤمنين في الحديث. قال الضياء: وشاهدت الحافظ غير مرة بجامع دمشق يسأله بعض الحاضرين وهو على المنبر: اقرأ لنا أحاديث من غير أجزا فيقرأ الأحاديث بأسانيدها عن ظهر قلبه. وسمعت٢ أبا سليمان بن علي الحافظ يقول: سمعت بعض أهلنا يقول: إن الحافظ سئل لم لا تقرأ الأحاديث من غير كتاب؟ فقال: إني أخاف العجب وسمعت أبا العباس أحمد بن محمد بن الحافظ قال: سمعت علي بن فارس الزجاج الشيخ الصالح قال: لما جاء الحافظ من بلاد العجم قلت: يا حافظ ما حفظت بعد مائة ألف حديث؟ قال: بلى أو ما هذا معناه.
ثناء العلماء عليه: لقد وصفه جمع من مشاهير العلماء بأوصاف كثيرة تنبئ عن تمكنه من علم الحديث ورجاله وصفاء سريرته وقوة اعتقاده وصلابته في السنة واتباعه لها، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وغضبه لانتهاك حدود الله لا تأخذه في الله لومة لائم كما وصف بالكرم والجود والزهد والورع وكثرة العبادة ﵀ قال ابن النجار في تاريخه حدث بالكثير وصنف في الحديث تصانيف حسنة وكان غزير الحفظ من أهل الإتقان والتجويد، قيّما بجميع فنون الحديث عارفًا بقوانينه
_________
١ القائل هو الحافظ الضياء.
٢ للضياء.
1 / 9
وأصوله وعلله وصحيحه وسقيمه وناسخه ومنسوخه وغريبه وشكله وفقهه ومعانيه وضبط أسماء رواته ومعرفة أحواله، وكان كثير العبادة ورعًا متمسكًا بالسنة على قانون السلف "وقال ابن الدبيثي في تاريخه:"وكان زاهدًا عابدًا أمّارا بالمعروف نهاء عن المنكر أثنى الحفاظ والأئمة على فهمه وحذقه وحفظه وكان داعية إلى السنة ناصرًا لها "وأثنى عليه الذهبي فقال: "الإمام العالم الحافظ الكبير الصادق العابد الأثري المتبع." وقال في موضع آخر بعد ذكر شيوخه: ولم يزل يطلب ويسمع ويكتب ويسهر ويدأب ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويتقي الله ويتعبد ويصوم ويتهجد وينشر العلم إلى أن مات١وذكره المنذر فقال: الفقيه الحافظ، كتب الكثير وله تصانيف مفيدة ولم يزل يجمع ويسمع ويسمع٢. وقال ابن كثير: الحافظ عبد الغني أبو محمد المقدسي صاحب التصانيف المشهورة٣وقال سبط ابن الجوزي: كان عبد الغني ورعًا زاهدًا عابدًا يصلي كل يوم ثلاثمائة ركعة ويقوم الليل ويصوم عامة السنة وكان كريمًا جوادًا لا يدخر شيئًا ويتصدق على الأرامل والأيتام حيث لا يراه أحد وكان يرقع ثوبه ويؤثر بثمن الجديد، وكان قد
_________
١ السير ٢١/٤٤٥.
٢ التكملة ٢/١٨.
٣ البداية ١٣/٣٨.
1 / 10
ابن١جعفر المقدسي الجماعيلي٢ ثم الدمشقي المنشأ الصالحي الحنبلي.
_________
٢ نسبة إلى جمّاعيل وهي قرية في جبل نابلس من أرض فلسطين "معجم البلدان ٢/١٥٩".
1 / 11
مولده: ولد بجمّاعيل من أرض نابلس سنة إحدى وأربعين وخمسمائة١، ونسب لبيت المقدس لقرب جماعيل منه ولأن نابلس وأعمالها جميعًا من مضافات البيت المقدس٢، ثم انتقل مع أسرته من بيت المقدس إلى مسجد أبي صالح خارج الباب الشرقي لمدينة دمشق أولًا، ثم انتقلت أسرته إلى سفح جبل قاسيون فبنوا دارًا تحتوي على عدد كبير من الحجرات دعيت بدار الحنابلة، ثم شرعوا في بناء أول مدرسة في جبل قاسيون وهي المعروفة ب"المدرسة العمرية"٣، وقد عرفت تلك الضاحية التي سكنوها بالصالحية فيما بعد نسبة إليهم لأنهم كانوا من أهل العلم والصلاح.
حياته العلمية: اتجه الحافظ عبد الغني إلى طلب العلم في سن مبكرة، فتتلمذ في صغره على عميد أسرته العلامة الفاضل الشيخ محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو عمر،
_________
١ قاله الحافظ الضياء، لكن قال المنذري: ذكر عنه أصحابه ما يدل على أن مولده سنة أربعة وأربعين وخمسمائة، وكذلك ذكر ابن النجار في تاريخه أنه سأل الحافظ عبد الغني عن مولده، فقال: إما في سنة ثلاث أو في سنة أربع وأربعين وخمسمائة، قال الحافظ: والأظهر أنه في سنة أربع.
٢ معجم البلدان ٢/١٥٩.
٣ هذه المدرسة من خيرة مدارس المسلمين خرجت عددًا كبيرًا من مشاهير العلماء، وكانت بها مكتبة عظيمة عز نظيرها، وقد أنشأها الشيخ أبو عمر المقدسي الزاهد محمد بن أحمد بن قدامة أخو الموفق ابن قدامة ﵏. "انظر: القلائد الجوهرية ١/٢٤٩ وما بعدها".
1 / 12
ثم تتلمذ على شيوخ دمشق وعلمائها فأخذ عنهم الفقه وغيره من العلوم.
رحلاته العلمية: كانت له رحلات علمية جاب خلالها كثير من البقاع، وسمع فيها بدمشق والإسكندرية وبيت المقدس ومصر وبغداد وحران والموصل وأصبهان وهمذان وغيرها، سافر إلى بغداد مرتين ومصر مرتين، وكان ارتحاله إلى دمشق وهو صغير بعد سنة خمسين وخمسمائة فسمع بها من أبي المكارم ابن هلال وسلمان بن علي الرحبي وأبي عبد الله محمد بن حمزة القرشي وغيرهم، ثم رحل إلى بغداد سنة إحدى وستين وخمسمائة مع ابن خاله الشيخ الموفق فأقاما ببغداد أربع سنين، وكان الموفق ميله إلى الفقه والحافظ عبد الغني ميله إلى الحديث فنزلا على الشيخ عبد القادر وكان يراعيهما ويحسن إليهما وقرءا عليه شيئًا من الحديث والفقه، وحكى الشيخ الموفق أنهما أقاما عنده نحوًا من أربعين يومًا ثم مات وأنهما كانا يقرآن عليه كل يوم درسين من الفقه فيقرأ هو من الخرقي من حفظه والحافظ من كتاب الهداية قال الضياء: وبعد ذلك اشتغلا بالفقه والخلاف على ابن المني وصارا يتكلمان في المسألة ويناظران، وسمعا من أبي الفتح ابن البطي وأحمد بن المقرئ الكرخي وأبي بكر ابن النقور، وهبة الله بن الحسن بن هلال الدقاق وأبي زرعة وغيرهم ثم عاد إلى دمشق ثم رحل الحافظ سنة ست وستين إلى مصر والإسكندرية
1 / 13
ضعف بصره من كثرة المطالعة والبكاء وكان أوحد زمانه في علم الحديث والحفظ١وقال الضياء: سألت خالي الإمام موفق الدين عن الحافظ فكتب بخطه وقرأته عليه، كان جامعًا للعلم والعمل وكان رفيقي في الصبا وفي طلب العلم وما كنا نستبق إلى خير إلا سبقني إليه إلا القليل وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدعة وعداوتهم إياه وقيامهم عليه، ورزق العلم وتحصيل الكتب الكثيرة إلا أنه لم يعمر حتى يبلغ غرضه في روايتها ونشرها رحمه الله تعالى.
أوقاته: كان لا يضيع شيئًا من زمانه بلا فائدة فإنه كان يصلي الفجر ويلقن الناس القرآن وربما قرأ شيئًا من الحديث ثم يقوم يتوضأ فيصلي نفلًا إلى قبل الظهر ثم ينام نومة يسيرة إلى وقت الظهر ويشتغل إما للتسميع بالحديث أو بالنسخ إلى المغرب، فإن كان صائمًا أفطر بعد المغرب، وإن كان مفطرًا صلى من المغرب إلى العشاء الآخرة فإذا صلى العشاء نام إلى نصف الليل أو بعده ثم قام كأن إنسانًا يوقظه فيتوضأ ويصلي لحظة كذلك ثم توضأ وصلى كذلك، ثم توضأ وصلى كذلك إلى قرب الفجر وربما توضأ في الليل سبع مرات فقيل له في ذلك، فقال: ما تطيب لي الصلاة إلا مادامت أعضائي رطبة. ثم ينام نومة يسيرة إلى الفجر وهذا دأبه، وقال أخوه العماد: ما رأيت أحدًا أشد محافظة على وقته من أخي، وقال الضياء: سمعت محمود بن
_________
١ البداية ١٣/٣٩.
1 / 14
سلامة التاجر الحراني يقول: كان الحافظ عبد الغني نازلًا عندي بأصبهان وما كان ينام من الليل إلا قليلًا بل يصلي ويقرأ ويبكي١.
ما ابتلي به الحافظ: قال ابن كثير في ترجمته: ثم رحل إلى أصبهان فسمع بها الكثير ووقف على مصنف للحافظ أبي نعيم في أسماء الصحابة فأخذ في مناقشته في أماكن من الكتاب في مائة وتسعين موضعًا فغضب بنو الخجندي من ذلك وأرادوا هلاكه فخرج منها مختفيًا في إزار، ولما دخل الموصل في طريقه سمع بها كتاب العقيلي في الجرح والتعديل فثار عليه الحنفية بسبب أبي حنيفة فخرج منها -أيضًا- خائفًا يترقب فلما ورد دمشق كان يقرأ الحديث بعد صلاة الجمعة برواق الحنابلة من جامع دمشق فاجتمع الناس عليه وإليه وكان رقيق القلب سريع الدمعة فحصل له قبول من الناس جدًا وانتفع الناس بمجالسه كثيرًا فوقع الحسد عند المخالفين من أهل دمشق فجهزوا الناصح الحنبلي فتكلم تحت قبة النسر وأمروه أن يجهر بصوته مهما أمكنه حتى يشوش عليه فحول عبد الغني ميعاده إلى بعد العصر فذكر يومًا عقيدته فثار عليه القاضي ابن الزكي وضياء الدين الدولعي وعقدوا له مجلسًا في القلعة يوم الاثنين الرابع والعشرين من شهر ذي القعدة سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وتكلموا معه في مسألة العلو ومسألة النزول ومسألة الحرف والصوت وطال الكلام وظهر عليهم
_________
١ السير ٢١/٤٥٢-٤٥٣.
1 / 15
بالحجة، فقال له برغش نائب القلعة: كل هؤلاء على الضلالة وأنت على الحق؟ قال: نعم، فغضب برغش من ذلك وأمره بالخروج من البلد، فارتحل بعد ثلاث إلى بعلبك، ثم إلى القاهرة، فنزل عند الطحانين وصار يقرأ الحديث، فثار عليه الفقهاء أيضًا فكتبوا إلى الصفي بن شكر وزير العادل أنه قد أفسد عقائد الناس ويذكر التجسيم على رؤوس الأشهاد، فكتب إلى والي مصر بنفيه إلى المغرب فمات قبل وصول الكتاب إليه١قلت: عقيدة الحافظ عبد الغني هي عقيدة السلف ﵏ وهي الإيمان بآيات وأحاديث الصفات، وإثباتها لله من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تأويل ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ قال الحافظ الضياء سمعت بعض أصحابنا يقول:-إن الحافظ أمر أن يكتب اعتقاده فكتب:- أقول كذا لقول الله كذا وأقول كذا لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم التي يخالفون فيها، فلما وقف عليها الملك الكامل قال: إيش في هذا يقول بقول الله ﷿ وقول رسول الله صلي الله عليه وسلم الحافظ ابن رجب: قرأت بخط الإمام الذهبي: ولم يبد من الرجل أكثر مما يقوله خلق من العلماء الحنابلة والمحدثين من أن الصفات الثابتة محمولة على الحقيقة لا على المجاز أعني أنها تجري على مواردها لا يعبر عنها بعبارات أخرى كما فعلته المعتزلة أو المتأخرون من الأشعرية، هذا مع أن صفاته تعالى لا يماثلها
_________
١ البداية ١٣/٣٩، وابن رجب في الذيل ٢/٢٦ ببعض التصرف.
1 / 16
شيء، وبكل حال فالحافظ عبد الغني من أهل الدين والعلم والتأله والصدع بالحق ومحاسنه كثيرة فنعوذ بالله من الهوى والمرا والعصبية والافتراء ونبرأ من كل مجسم ومعطل١.
شيوخه: سمع أبا الفتح بن البطي وأبا الحسن علي بن رباح الفراء، وابن المني والشيخ عبد القادر الجيلي وهبة الله ابن هلال الدقاق وأبا زرعة المقدسي ومعمر بن الفاخر وأحمد ابن المقرب ويحيى بن ثابت وأبا بكر بن النقور وأحمد بن عبد الغني الباجسرائي، وعدة ببغداد، والحافظ أبا طاهر السلفي بالإسكندرية وأقام عنده ثلاث سنين فكتب عنه نحوا من ألف جزء، وبدمشق من أبي المكارم بن هلال وسلمان بن علي الرحبي وأبا المعالي بن صابر وعدة، وبمصر محمد بن علي الرحبي وعبد الله بن بري وطائفة، وبأصبهان الحافظ أبا موسى المديني وأبا الوفاء محمود بن حمكا وأبا الفتح الخرقي وابن ينال الترك ومحمد بن عبد الواحد الصائغ وحبيب بن إبراهيم الصوفي، وبالموصل أبا الفضل الطوسي وغيرهم من الأئمة المشهود لهم بالعلم والفضل٢.
تلاميذه: حدث عنه الشيخ موفق الدين وأولاده الثلاثة الحافظ عز الدين محمد والحافظ أبو موسى عبد الله والفقيه أبو سليمان، والحافظ الضياء المقدسي والخطيب سليمان بن
_________
١ ذيل طبقات الحنابلة ٢/٢٤، سير أعلام النبلاء ٢١/٤٦٥.
٢ سير أعلام النبلاء ٢١/٤٤٤.
1 / 17
رحمه الأسعردي والبهاء عبد الرحمن، والشيخ الفقيه محمد اليونيني والزين بن عبد الدائم وأبو الحجاج ابن خليل والتقي اليلذاني والشهاب القوصي وعبد العزيز بن عبد الجبار القلانسي والواعظ عثمان بن مكي الشارعي وأحمد بن حامد الأرناحي وإسماعيل بن عبد القوي بن عزون وأبو عيسى عبد الله بن علاق الرزاز ... وخلق آخرهم موتًا سعد الدين محمد بن مهلهل الجيني، وروى عنه بالإجازة شيخنا أحمد بن أبي الخير الحداد١.
مصنفاته٢:
١ـ "المصباح في عيون الأحاديث الصحاح"مشتمل على أحاديث الصحيحين فهو مستخرج عليهما بأسانيده في ثمانية وأربعين جزء.
٢ـ"هاية المراد من كلام خير العباد"لم يبيض كله في السنن نحو مائتي جزء.
٣ـ "كتاب اليواقيت" مجلد
٤ـ كتاب "حفة الطالبين في والمجاهدين"
٥ـ كتاب " الآثار المرضية في فضائل خير البرية" أربعة أجزاء
٦ـ كتاب "الروضة"أربعة أجزاء
_________
١ الذهبي: سير أعلام النبلاء ٢١/٤٤٦.
٢ انظر: سير أعلام النبلاء ٢١/٤٤٦-٤٤٨، وذيل طبقات الحنابلة ٢/١٨-١٩ وانظر عن مخطوطاتها وأماكن وجودها: تاريخ الأدب العربي ٦/١٨٥ وما بعدها.
1 / 18
٧ـ كتاب "الذكر"جزآن
٨ـ كتاب "الأسرار"جزآن.
٩ـ كتاب "التهجد"جزآن.
١٠ـ كتاب " الفرج " جزآن
١١ـ كتاب "الصلات من الأحياء إلي الأموات "جزآن
١٢ـ كتاب " الصفات "جزآن
١٣ـ كتاب " محنة الإمام أحمد "لاثة أجزاء.
١٤ـ كتاب" ذم الريالءجزء كبير
١٥ـ كتاب "ذم الغيبة " جزء ضخم
١٦ـ كتاب " الترغيب في الدعاء جزء كبير وقد طبع بتحقيق يوسف محمد بن حسن سنة ١٤١١هـ القاهرة ثم طبع بتحقيق فالح الصغير ونشرته دار العاصمة بالرياض سنة ١٤١٧هـ
١٨ـ كتاب " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " جزء
١٩ـ كتاب " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " طبع بتحقيق سمير أمين الزهيري ونشرته دار السلف بالرياض
٢٠ـ كتاب " فضائل رمضان " جزء
٢١ـ جزء في فضائل عشر ذي الحجة
٢٢ـ جزء في فضائل الصدقة
٢٣ـ جزء في فضائل الحج
٢٤ـ جزء في فضائل رجب
٢٥ـ جزء في وفاة النبي صلي الله عليه وسلم
٢٦ـ جزء في الأقسام التي أقسم بها النبي صلي الله عليه وسلم
٢٧ـ كتاب " الأربعين "
٢٨ـ كتاب " الأربعين " آخر
1 / 19
٢٩ـ كتاب " الأربعين من كلام رب العالمين "
٣٠ـ كتاب " الأربعين بسند واحد " رابع "
٣١ـ كتاب " اعتقاد الإمام الشافعي " جزء كبير
٣٢ـ كتاب " الحكايات " سبعة أجزاء
٣٣ـ كتاب " غنية الحافظ في تحقيق مشكل الألفاظ " في مجلدين.
٣٤ـ كتاب "الجامع الصغير لأحكام البشير النذير" لم يتمه.
٣٥ـ خمسة أجزاء من كتاب لم يتمه على صفة.
٣٦ـ كتاب "من صبر ظفر".
٣٧ـ وجزء في "ذكر القبور".
٣٨ـ أجزاء أخرجها من الأحاديث والحكايات كان يقرؤها في المجالس تزيد على مائة جزء.
٣٩ـ جزء في مناقب عمر بن عبد العزيز.
٤٠ـ "مناقب الصحابة" عدة أجزاء.
وأشياء كثيرة جدًا ما تمت والجميع بأسانيده بخطه المليح الشديد السرعة.
ومن الكتب بلا إسناد:
٤١ـ كتاب "الأحكام على أبواب الفقه" ستة أجزاء"مجلد".
٤٢ـ كتاب "العمدة في الأحكام١ مما اتفق عليه
_________
١ طبع عدة طبعات.
1 / 20
البخاري ومسلم" جزآن "مجلدين".
٤٣ـ كتاب "درر الأثر على حروف المعجم" تسعة أجزاء "مجلد".
٤٤ـ كتاب "سيرة النبي ﷺ " جزء كبير طبع بتحقيق السيدة هديان أديب الضناوي ونشرته دار الجنان ببيروت ١٤١٠هـ.
٤٥ـ كتاب "النصيحة في الأدعية الصحيحة"١.
٤٦ـ كتاب "الاقتصاد في الاعتقاد" جزء كبير.
٤٧ـ كتاب "تبيين الإصابة لأوهام حصلت لأبي نعيم في معرفة الصحابة" جزآن تدلان على براعته وحفظه.
٤٨ـ كتاب "الكمال في معرفة الرجال" ٢. يشتمل على رجال الصحيحين وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة٣ في أربعة أسفار يروي فيه بأسانيده. وهذا ما ذكره الذهبي وابن رجب من مؤلفاته وزاد
غيرهما عليها ما يلي:
٤٩ـ "أبو العاص بن الربيع".
٥٠ـ"صلاة النبي ﷺ ليلة الإسراء".
٥٢ـ "حديث الإفك". طبع بتحقيق أبي إسماعيل هشام بن إسماعيل السقا ونشرته دار عالم الكتب بالرياض١٤٠٥هـ.
٥٣ـ "فضائل عمر بن الخطاب".
_________
١ طبع بتحقيق محمود الأرنؤوط ونشرته مؤسسة الرسالة بيروت سنة ١٤٠١هـ.
٢ قام بتهذيبه وزاد عليه الحافظ المزي. وقد طبع بتحقيق د. بشار معروف ونشرته مؤسسة الرسالة، في خمسة وثلاثين مجلدًا.
٣ عبد الغني هو أول من جمع رجال الكتب الستة في مصنف واحد، نعم ألف قبله الحافظ ابن عساكر ""المعجم المشتمل"" لكنه خصصه لشيوخ الكتب الستة فقط.
1 / 21
٥٤ـ "تلخيص كتاب الكنى للحاكم".
٥٥ـ "أخبار الحسن البصري".
٥٦ـ "عقيدة" ذكرها جميعًا برو كلمان، طبع عدة مرات.
٥٧ـ "أشراط الساعة" ١.
٥٨ـ "نزهة السامعين من أخبار سيد المرسلين" ٢.
٥٩ـ "أحاديث الشعرا" طبع بتحقيق إحسان عبد المنان الجبالي ونشرته المكتبة الإسلامية بالأردن سنة١٤١٠هـ.
٦٠ـ"تحريم القتل وتعظيمه" طبع بتحقيق أبي عبد الله عمار بن سعيد تمالت، ونشرته دار ابن حزم بالرياض سنة ١٤٢٠هـ.
٦١ـ "التوحيد" طبع بتحقيق مصعب بن عطا الله الحايك، ونشرته دار المسلم بالرياض سنة ١٤١٩هـ.
وفاته: مازال ﵀ يتحف الأمة بعلمه وكتبه ورسائله القيمة ويعبد الله ﷿ ويدعو الناس إلى دينه حتى توفاه الله يوم الاثنين الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ستمائة للهجرة وله تسع وخمسون سنة. ودفن بمقبره القرافة بمصر إلى جوار الشيخ أبي عمرو بن مرزوق ﵀ وأسكنه فسيح جناته. وقد رثاه غير واحد من الأئمة منهم الإمام أبو عبد الله محمد بن سعد المقدسي الأديب بقصيدة طويلة مطلعها:
هذا الذي كنت يوم البين أحتسب ... فليقض دمعي عنك بعض ما يجب
وقد خلف من الولد عز الدين أبو الفتح محمد، وجمال الدين أبو موسى، وأبو سليمان عبد الرحمن، ثلاثتهم من العلماء ﵏.
_________
١ ذكره الكتاني في الرسالة المستطرفة ٤٩.
٢ نفس المصدر ١٨٢.
1 / 22
ثانيًا: وصف النسخ الخطية
اعتمدت في تحقيق هذه العقيدة على ثلاث نسخ خطية هي كما يلي:
الأولى:" وهي الأصل وهي التي اعتمدت عليها في تحقيق الكتاب" وهي نسخة نفيسة جدًا إذ يعود تاريخ نسخها إلى سنة خمس وستين وستمائة وخطها جيد ومضبوط وعليها تصحيح ومقابلة لأحد العلماء كتب في نهايتها:"قوبل بنسخة بخط الشيخ المؤلف ﵁" وناسخها اسمه أبو الحرم بن علي برسم السمس محمد بن علوي في سنة ٦٦٥هـ وعدد أوراقها ثماني عشر ورقة مسطرتها ١٨ × ١٣ سم وعدد الأسطر ١٧ سطرًا تقريبًا، وقد جعلتها الأصل واعتمدت عليها في تحقيق الكتاب لجودتها وضبطها وقرب تاريخها من وفاة المؤلف ﵀، ولمقابلتها أيضًا بنسخة المؤلف ﵀.
الثانية: صورتها من مكتبة الجامعة الإسلامية ولم يكتب الناسخ ولا تاريخ النسخ ويبدو من خطها أنها كتبت في الهند وخطها نسخ جيد وقد أخذت عليه بعض الأخطاء اليسيرة، وعدد أوراقها ٢٠ ورقة ومسطرتها ١٩×١٣سم وعدد الأسطر ١٧ سطرًا.
الثالثة: بقلم علي بن مطلق، وتقع ضمن مجموع فيه كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب وبعض الرسائل له، وبعض رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية، وبعض الرسائل
1 / 23
لعلماء نجد، ويرجع تاريخها إلى سنة ١٣٠٧هـ تقريبًا كما صرح به الناسخ في آخر كتاب الانتصار لحزب الله الموحدين للشيخ عبد الله أبا بطين ﵀، وخطها لا بأس به فاتته بعض الأخطاء اليسيرة، وعدد أوراقها ١٠ ورقات مسطرتها ٢٢×١٥سم وعدد الأسطر ٢٢ سطرًا تقريبًا.
1 / 24
ثالثًا: عملي في الكتاب
١- قمت بنسخ نسخة الأصل وقابلتها مع النسختين، وأثبت الاختلاف في الهامش كما قابلتها مع المطبوعة في بعض المواضع.
٢- جعلت للنصوص أرقامًا متسلسلة من أول الكتاب إلى آخره.
٣- وضعت عناوين للموضوعات تسهيلًا للرجوع إلى موضوعات الكتاب.
٤- خرجت أحاديث وآثار الكتاب بالرجوع إلى مصادرها من كتب السنة وذكرت ما قاله العلماء في الحكم عليها من حيث الصحة والضعف بإيجاز.
٥- علقت على بعض المواضع التي رأيت أنها تحتاج إلى بيان وتوضيح.
٦- شرحت الكلمات الغريبة في بعض الأحاديث.
٧- عزوت الآيات القرآنية إلى مواضعها من كتاب الله.
٨- وضعت الفهارس الآتية:
أ - فهرس الآيات.
ب- فهرس الأحاديث.
جـ- فهرس الآثار.
د- فهرس الأعلام.
هـ- فهرس الموضوعات.
1 / 25