Croyances des penseurs
عقائد المفكرين
Genres
أما الفرح فمن أنواعه ودرجاته أيضا ما يرتفع بنا صعدا ولا يقف بنا عند المتعة به وحسب، بل يرتفع العقل كله علوا إلى طباق أعلى بكثير من موضوع الفرح نفسه، وباعث هذا أن الفرح العظيم يولد في نفوسنا عرفان الجميل، فنود أن نشكر أحدا ولا نرى إنسانا جديرا بمثل هذا الشكر، فنرتفع بالشكر إلى النجم البعيد!
ذلك شعور طبيعي هو كما لا يخفى أحد الأجنحة التي تعلو بالعقل إلى ما فوق الطبيعة، فإن كان وهما فإنه لوهم سعيد.
ولن تستطيع التعليلات النفسانية أن تقيم الديانة على أساس مطالبنا وحاجاتنا دون غيرها، فإننا لا نستطيع أن نفسر ظواهر الكون ولا أن نستخرج طبيعة التدين من مجرد التنقيب عن المطالب والحاجات في نفوسنا، إذ لا ريب أن الديانة تأتي إلينا من الخارج كما تنجم في نفوسنا من داخلها. ونحن نستجيب كما نطلب الجواب، وعندنا إلى جانب التجارب التي تعتلج في باطن النفس تجارب أخرى تنتزع منا وتفرض علينا من خارجنا، منها الروعة التي لا منجاة منها لأحد منا في طوال أيامه، ولا حيلة لإنسان في تلك المواقف التي تروعه وتتعاظمه حيث يواجه أطوار الطبيعة وأزمات البشرية فردية كانت أو جماعية، وتلك العوارض التي نسميها تارة بالخفية وتارة بالغيبية. كذلك تطل علينا الروعة حين نفكر في الكمال أو نحسه في نفاذ وقوة، وليست الروعة هي الخوف وإن كانت لا تخلو منه، إذ هنالك فرق بين مجرد الخوف من جلالة الطبيعة أو سر الموت وبين الشعور أمامها بالروعة. وكأنها خوف محلول في مزيج آخر من العناصر والأخلاط، ففيها خوف ودهشة وإعجاب وإحساس بضآلة وجودنا، فإن يكن ثمة شعور له سمة خاصة من سمات التدين فهو هذا الشعور لا مراء، وقد ساور الإنسان من قديم ويساوره اليوم، ولن يزال للإنسان دين على نحو من الأنحاء ما دام له شعور من هذا القبيل، فما كان غاية الأمر في هذا الشعور أنه جواب من طبائعنا للعالم المجهول، فقد يوجد هذا الجواب الشعوري في نفس الفلكي كما يوجد في سائر النفوس، ولكنما هو محور العبادة في الصميم.
إن الدنيا فيها من العظم الكفاية بغير ما فوق الطبيعة، فإذا أضيف إليها فوق الطبيعة بدا الإنسان أصغر وأصغر، وإن الزمان لمن الطول بحيث يرينا التاريخ كله مسافة جد قصيرة، فما هي حياة الإنسان إذن حين تقاس بمقياس الأبدية؟ وإن الإنسان إذا قيس بروائع الطبيعة لا يتراءى صغيرا وحسب بل حقيرا مع صغره. فما أخس ما يبدو لنفسه إذن حين يعقد المقارنة بينه وبين الكمال المطلق! إن إضافة الآفاق الربانية إلى وجودنا تهبط بالإنسان إلى منزلة مزرية، ولهذا كان اتضاع النفس وتهوين شأنها حالة من الحالات الدينية المأثورة، فلا مناص مع الإيمان بالله من القضاء على الكبرياء.
بيد أن الديانة لم تكن قط مقصورة على التمرغ والاستكانة، بل هي - مع هذا التهوين من شأن النفس - قد نفخت روح الكرامة حتى في النفوس التي لا يخولها أبناء نوعها حظا من الكرامة. إذ كان المخلوق الذي يقدر على معرفة الخالق قمينا أن يتصل به ويفقه مشيئته ويظفر بقبس من كماله ويصبح محلا لعنايته، ولا جرم يتعالى مخلوق كهذا أن يكون هملا في نظام الطبيعة، فإنه لروح على أوفى وأرفع حظ من الصلات الروحانية، ولن يكون من أجل هذا خاضعا كل الخضوع لطغيان الطبيعة، ولا تموت روحه مع الجسد حين ينقضي أمده، بل تنطلق في حياة لا عائق لها، أو كما قال أفلاطون: إن العقل الذي يسمو إلى معرفة الحقائق الأبدية لا يفنى حيث يتداعى الجسد، وفي معظم الديانات - ولا سيما المترقي منها - إيمان بخلود الإنسان ... •••
ومن علماء النفس الذين وضحوا الشعور بالعقيدة الدينية من الوجهة السيكولوجية أستاذ في جامعة «كلارك» مارس العلاج بالوسائل النفسية ومنها وسائل الإيمان، وهو الأستاذ رايموند كاتل (Cattell)
صاحب كتاب «علم النفس ومسألة الدين»
3
وفيه يقول عند الكلام على التحليل النفساني والخواطر الدينية: «إن الصلاة تتراجع - بازدياد - إلى الاكتفاء بتحسين الشخصية والمحافظة على الروح المعنوي في الفرد أو الجماعة، وبهذه المثابة لا يستطيع علم النفس أن ينكر جدواها على اعتبارها من الإيحاء الذاتي، ولكنها على هذا قد تنتحل لنفسها مزية لا ضرر فيها: وهي مزية الإرشاد إلى مزاولات عملية تزيد من قابلية النفس للاستيحاء والاستجماع. ومما تقدم القول فيه عن خلود النفس نلخص أصولها النفسانية - أي أصول الصلاة - في هذه المراجع الثلاثة: العودة إلى عادة الاسترسال مع التفكير الذي يسر ويرضي، والاستمرار في تجارب الإنسان البدائي في الأحلام والخيالات، وضرورة الاحتفاظ بالوازع الأخلاقي لمجازاة الذين عجز العدل الإنساني عن جزائهم في هذه الحياة ...»
ثم يقول في تعليل النزوع الديني المفاجئ في بعض أطوار النفس الإنسانية: «يبدو على العموم أن هذا النزوع يعلل بأن الفورات الجنسية في طور المراهقة يقابلها في هذا السن زواجر كابحة من الآداب التي تربط بالأهواء الجنسية كثيرا من إحساس الجريمة أو الخطيئة، وكلما اشتد التدافع بين التعبيرات الجنسية والأهواء الكامنة وبين الزواجر الأدبية أحاط بالنفس القلق والندم وتخلصت منهما فحلت المشكلة بالإعراض عن الشهوات والاعتزاز بالذات تساميا إلى حب بني الإنسان جميعا بديلا من الحب الجنسي، وإلى مقاربة العزة الإلهية بديلا من الاعتزاز بالذات ...»
Page inconnue