وهذا نموذج نادر من الخطب المنبرية التي كان الخطيب فيها يتولى «وظيفة» الوالي والواعظ والوالد والزعيم، وكان فيها مسحة من البرامج السياسية، والخطط الإدارية ونفحة من الشعر وقبس من الدين والحكمة. •••
ومن لواحق هذا الباب أن نأتي ببعض الأحاديث التي رواها عمرو عن النبي
صلى الله عليه وسلم ؛ لأن عقل الرجل ودينه قد يظهران مما يجري على لسانه من كلام غيره، كما يظهران من كلامه.
قال رجل من بني بكر بن وائل: لئن لم تنته قريش ليضيعن هذا الأمر في جمهور من جماهير العرب سواهم، فقال عمرو بن العاص: كذبت! سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يقول: «قريش ولاة الناس في الخير والشر إلى يوم القيامة.»
واختصم رجلان إلى النبي
صلى الله عليه وسلم ، فقال لعمرو: «اقض بينهما.» فقال: أنت أولى بذلك مني يا رسول الله! قال: «وإن كان.» قال: فإذا قضيت بينهما فما لي؟ قال: «إن أنت قضيت بينهما فأصبت القضاء فلك عشر حسنات، وإن أنت اجتهدت فأخطأت فلك حسنة.»
وقال عمرو: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد - وكان في غزوة ذات السلاسل - فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمنا على رسول الله ذكرت ذلك فقال: «يا عمرو! صليت بأصحابك وأنت جنب؟» قلت: نعم يا رسول الله! إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله - عز وجل:
ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما [النساء: 92]. فتيممت ثم صليت، فضحك رسول الله
Page inconnue