واضع السيف فوق منكبه الأ
يمن لا يحسب الفوارس شيا
ليت عمرا يلقاه في حمس النق
ع وقد صارت السيوف عصيا
فزعموا أن عمرا تغيظ من قوله، وأقسم: «لو علمت أني أموت ألف موتة لبارزت عليا في أول ما ألقاه!»
وكان علي - رضي الله عنه - كثيرا ما يتقدم بين الصفوف داعيا إلى المبارزة، فبدا له يوما أن يدعو معاوية لمبارزته، فأيهما غلب فالأمر له وتحقن دماء الناس، فنادى: يا معاوية، يا معاوية، فقال هذا لأصحابه: اسألوه ما شأنه؟ قال: أحب أن يبرز لي فأكلمه كلمة واحدة، فبرز معاوية ومعه عمرو، فلما قارباه لم يلتفت إلى عمرو وقال لمعاوية: ويحك! علام يقتتل الناس بيني وبينك؟ ابرز إلي، فأينا قتل صاحبه فالأمر له، فالتفت معاوية إلى عمرو فقال: ما ترى يا أبا عبد الله؟ أبارزه؟ فقال عمرو: لقد أنصفك الرجل، واعلم أنك إن نكلت عنه لم تزل سبة عليك وعلى عقبك ما بقي عربي، فقال معاوية: يا عمرو! ليس مثلي يخدع عن نفسه، والله ما بارز ابن أبي طالب رجلا قط إلا سقى الأرض من دمه ... ثم تلاحيا، وعزم معاوية على عمرو ليخرجن إلى علي إن كان جادا في نصحه، ولم يكن مغررا به طمعا في مآل أمره، فلما خرج للمبارزة مكرها وشد عليه علي شدته المرهوبة، رمى عمرو بنفسه عن فرسه ورفع ثوبه وشغر برجله فبدت عورته! فصرف علي وجهه عنه، وقام معفرا بالتراب هاربا على رجليه، معتصما بصفوفه.
وليس في هذه القصة من موجب للشك فيها إلا أن عمرا كان أشجع من ذلك في معارك كثيرة قبل هذه المعركة، ولكنه شك ضعيف غير قاطع في إنكار القصة بحذافيرها؛ لأن عمرا لم يبارز قط رجلا في قوة علي وبأسه، ولم يكن قد دلف إلى الثمانين وهو يحارب في المعارك الأخرى، وأهم من ذلك أنه كان يحارب في تلك المعارك، وله أمل في الشهادة ونعيم الجنة وإيمان بحقه وباطل خصمه، ولكنه لا يحارب عليا وله أمل في الشهادة قاتلا أو مقتولا، أو ثقة بالحق تعوضه من خسارة الدنيا، وليس بالعجيب من طبيعة عمرو أن يلوذ بالحيطة، غير حافل بمقال الناس إذا خاف على حياته، وأيقن من ضياع دينه ودنياه.
ومهما يكن من مبلغ الصدق في هذه الرواية، فالمتفق عليه بين ولاته وعداته أنه اشتهر في صفين بجهاد الحيلة والدعوة، ولم يشتهر فيها بجهاد البسالة والبلاء.
أما جهوده في مسألة التحكيم
2
Page inconnue