كانت مصر في الزمن القديم معروفة بين أهلها باسم «كيم» أو «خيم» بياء تنطق ممالة بين الياء والألف، ويتوهم بعضهم أنها مأخوذة من كلمة خام أو حام بن نوح، على اعتبار المصريين سلالة حامية قديمة، وهو من الأوهام التي لا سند لها من التاريخ ولا من الآثار الباقية؛ لأن معنى الكلمة قديم في اللغة المصرية بمعنى الأرض السوداء، ومنها أخذ اليونان كلمة الكيمياء حين كان علم الكيمياء يسمى بالعلم الأسود أو السحر الأسود؛ لأنه من العلوم الخفية التي يستعان عليها بالأرواح الشريرة في زعم الأقدمين!
ولم يبق من أسماء مصر القديمة في العصر الحاضر غير اسمين اثنين، أحدهما اسم «إيجبت»
Égypte
الذي تلقاه الغربيون عن اليونان، ولا يزال لديهم علما على البلاد المصرية، وأصله مجهول تختلف فيه الأقوال، ويرجح أن الكلمة منحوتة من كلمتين بمعنى «جي بتاه» أو «كي بتاه»؛ أي: بلاد فتاح الإله الذي كان معبودا في «منف» العاصمة القديمة التي عرفها اليونان الأسبقون.
والذين يرجحون هذه التسمية يرون أن كلمة «قبطي» مشتقة من النسبة إلى «كي بتاه»، خلافا لمن يرجع بها إلى قفط أو كوبتوس في طريق البحر الأحمر، وقديما قيل: إنها كانت بلدة على البحر الأحمر، ثم نقلت إلى الطريق كله بين البحر الأحمر والبلدة التي اشتهرت باسم قفط في إقليم قنا، ولا تزال معروفة به إلى اليوم ولا تزال طريق القصير وقنا من الطرق الممهدة للقوافل في العصر الحاضر! وليس من التعسف البعيد أن يقال: إنها أصل التسمية القديمة للبلاد المصرية؛ لأن عواصم مصر الكبرى كانت في الإقليم القنائي، وظلت فيه قرونا طوالا من العصر القديم. ويتوسع بعض المؤرخين في دلالة هذه التسمية، فيردون إليها علاقة مصر العليا بالبلاد العربية القديمة، ويحسبون أن المهاجرين الأوائل قدموا من طريق البحر الأحمر ثم طريق الصحراء في زمن مجهول، ولا يلزم من ذلك أن يكون أصل المصريين جميعا من هؤلاء المهاجرين؛ لأن ملامح المصريين الأوائل ولغاتهم لا تنحصر في أصل واحد، ولا تنحصر على الخصوص في السلالة السامية، بل يوجد فيها مزيج قليل يسهل تعليله بالنسبة إلى طريق «قفط» من جانب البحر الأحمر أو الجانب الذي يقابله على النيل.
أما الاسم الآخر من الأسماء الباقية، فهو اسمها المشهور في اللغة العربية أو هو اسم «مصر» الذي يحسبه بعضهم مأخوذا من كلمة «المصر» التي تطلق في العربية على أرض الحواضر أو على الحاضرة الكبرى، حيث تقام معالم الحكم وأحكام الشريعة.
والغالب أن كلمة «مصر» عربية الأصل، ولكن في لغة العرب السابقة لهذا الاصطلاح الحديث، وإنما نقول: الحديث بالنسبة إلى الكلام العربي المتداول على الألسنة من عهد الإسلام وما قبله بأجيال قليلة! وقبل هذا العهد - عهد الإسلام - عرف العرب مصر ثم عرفها منهم العبرانيون المنتقلون من أرض العراق، وقد كاد المؤرخون أن يتفقوا على أن العبرانيين قدموا إلى مصر في عهد القبائل العربية من الرعاة وأتباعهم المشهورين باسم الهكسوس، فهم أول من أطلق على «مصر» هذا الاسم وسموها «مصرايم»، فزعم بعضهم أن الكلمة من اسم قديم يدعى مصرايم يحسبونه جد المصريين أجمعين، ولكن الواقع أن «مصرايم» تثنية مصر باللغة العبرية بمعنى المصرين؛ أي: الوجه البحري والوجه القبلي ولا تزال الكلمة بعد ذلك محتاجة إلى تفسير من اللغات السامية الأولى إن لم يكن لها معنى قديم منقول عن الهيروغليفية.
والبحث في العبرية واللغات السامية عامة، هو الذي قاد الباحثين إلى مادة «صر» في جميع هذه اللغات، فمادة «صر» تفيد في هذه اللغات جميعا معنى الضم والضيق، والشيء المصرور هو الشيء المضغوط أو المشدود، ومنه الصرة والصرار والإصرار، وقيل لهذا: إن المصر يراد به الوادي الضيق المصرور بين الجبلين، وبولغ في تتبع هذا المعنى، فقيل: إن العبرانيين سموا البلد باسم «مصر»، بعد ما أصابهم فيها من الضيق، وبعد ما اعتزموه من الفرار بأنفسهم من هذا الضيق، وهو اعتساف في التأويل لا تؤيده كلمة واحدة توجه اشتقاق الكلمة هذا الاتجاه.
أما المصر من «الصر» بمعنى حصر الوادي بين الجبلين، فيلاحظ أن العبرانيين أطلقوا اسم المصرين على الوجهين، ولم يكن الوجه البحري - حيث أقام الأكثرون منهم - واديا محصورا بين الجبال، ولم يعرف قط أنهم أطلقوا على مصر اسما آخر قبل وفودهم إليها، إلا أن يكون اسم النهر أو بلاد حام.
ولهذا يذهب بعضهم إلى أن كلمة «مصر» هيروغليفية قديمة مركبة من كلمات ثلاث بمعنى «بلد أبناء الشمس»، والكلمات الثلاث هي «ما» بمعنى موضع، و«سي» بمعنى ابن، و«ري» أو «را»، بمعنى الشمس، ومنها «راع» التي ينسب إليها بعض الفراعنة، فإذا صح أن «ما سيري» هي أصل هذه التسمية فلا غرابة فيه، وإنما يعوزه السند الذي يعزز الاستنتاج وليس له الآن وجود، وكل ما هناك أن أناسا من الثقات يستندون إلى إطلاق اسم «مسرى» على شهر الفيضان أو شهر النيل المنتظر، ويربطون كما فعل العلامة «مسبرو» بين اسم الشهر واسم البلاد.
Page inconnue