L'Agent secret : une histoire simple

Joseph Conrad d. 1450 AH
5

L'Agent secret : une histoire simple

العميل السري: حكاية بسيطة

Genres

الفصل الأول

خرج السيد فيرلوك في الصباح وترك متجره ظاهريا في عهدة صهره. لم يواجه صهره صعوبة؛ لأن المتجر ما برح يشكو من قلة زبائنه، بل إن اليوم كان يخلو من العمل تماما حتى يدخل المساء. لم يكن السيد فيرلوك يكترث كثيرا بعمله الظاهري. بل إنه عهد برعاية صهره إلى زوجته.

كان المتجر صغيرا وكذلك المنزل. كان المنزل واحدا من تلك المنازل المبنية باللبنات ذات اللون القاتم التي غطت مساحة شاسعة قبل أن يبزغ فجر حقبة إعادة الإعمار على لندن. اتخذ المتجر شكلا مربعا وكانت الواجهة مزججة بألواح زجاجية صغيرة. كان الباب يظل مغلقا في فترة النهار، وفي المساء يوارب بحذر، ولكن على نحو يثير الشكوك.

احتوت النافذة على صور فوتوغرافية لفتيات راقصات عاريات أو شبه عاريات؛ وعبوات لا تحمل وصفا لمحتوياتها وملفوفة وكأنها أدوية مسجلة ببراءات اختراع؛ ومظاريف ورقية صفراء مغلقة من نوع رديء للغاية ومكتوب عليها الرقم اثنان والرقم ستة ببنط عريض أسود؛ وبضعة منشورات قديمة فرنسية ساخرة معلقة في خيط، وكأنها معلقة كي تجف؛ وطبق صيني بلون أزرق قاتم، وبرميل من الخشب الأسود، وزجاجات حبر غير قابل للمحو وأختام مطاطية؛ وبضعة كتب بعناوين تشير إلى محتوى غير لائق؛ وبضعة نسخ قديمة من جرائد غير معروفة ذات طباعة رديئة تحمل عناوين مثل «ذا تورتش»، «ذا جونج»؛ عناوين مثيرة. وفي الجهة الداخلية من الألواح الزجاجية كان يوجد موقدا غاز منخفض ضوءهما على الدوام؛ إما توفيرا للنفقات أو إرضاء للعملاء.

كان هؤلاء العملاء إما شبانا صغارا في السن يقفون أمام النافذة لمدة من الوقت قبل الدخول فجأة؛ أو رجالا ناضجين، ولكن يبدون عموما مفلسين. كان البعض من هذا النوع الأخير يرفعون ياقة المعطف بحيث تصل إلى شواربهم، وتلتصق آثار الطين في أسفل سراويلهم التي تبدو مهترئة جدا وليست ذات قيمة كبيرة. وكانت السيقان بداخل تلك السراويل تبدو عموما وكأنها جلد على عظم. وكانوا يدخلون من الباب بالورب، وقد أدخلوا أيديهم في جيوب معاطفهم، وكأنهم يتفادون الجرس ويخشون صلصلته.

كان يصعب تفادي الجرس المعلق على الباب في طوق مقوس من الفولاذ. كانت في الجرس تصدعات لا علاج لها؛ ولكن في المساء، عند أدنى حركة بجانبه، كان يصلصل من خلف العميل وكأنه صلصلة الرعد.

صلصل الجرس؛ وعند تلك الإشارة، ومن خلال الباب الزجاجي المكسو بالغبار، ومن خلف منضدة البيع، يخرج السيد فيرلوك مسرعا من غرفة المعيشة في الخلف. كان من الطبيعي أن يرى النعاس في عينيه؛ فقد كان يبدو وكأنه بات يتمرغ على سرير غير مرتب طوال اليوم بملابسه كاملة. لو كان رجلا آخر، كان سيشعر أن الخروج بهذا المظهر نقيصة لا اختلاف عليها. يعتمد نجاح معاملات البيع بالتجزئة اعتمادا كبيرا على طريقة جذب العملاء والتودد من جانب البائع. ولكن السيد فيرلوك كان يجيد عمله، ولم يكن يهتم البتة بشأن مظهره الجمالي. بنظرات عابسة وثابتة، بدا أنها تخرس ألسنة بعض المزعجين وتمنع توعدهم له، كان يباشر، من وراء منضدة البيع، بيع منتجات لا يختلف اثنان على أنها لا تساوي قيمة الأموال التي تدفع فيها؛ ومنها على سبيل المثال، صندوق صغير من الورق المقوى فارغ المحتوى على ما يبدو، أو مظروف من تلك المظاريف الصفراء ذات الجودة الرديئة والمغلقة بعناية، أو عدد مجلة ذو غلاف يحمل عنوانا واعدا. ومن وقت لآخر، كانت صور فتيات الرقص ذوات الأصل الآسيوي تباع إلى أحد الهواة ، وكأنها فتاة حقيقية تنبض بالحيوية والشباب.

في بعض الأحيان، كانت السيدة فيرلوك هي التي تخرج عند سماع صلصلة الجرس. كانت ويني فيرلوك شابة ممتلئة الصدر، ترتدي صدرية ضيقة، وذات فخذين عريضتين. كان شعرها مهندما. وبنظرات ثابتة مثل زوجها، كانت تقف خلف حاجز المنضدة وعلى وجهها تعبيرات لا مبالاة يستعصي فهم كنهها. حينئذ ربما كان الارتباك يتملك فجأة زبونا غضا بسبب اضطراره إلى التعامل مع امرأة، فيتقدم والغيظ يملأ قلبه ويطلب زجاجة حبر غير قابل للمحو؛ قيمة بيعه بالتجزئة ستة بنسات (السعر في متجر فيرلوك شلن وستة بنسات) وبمجرد أن يخرج من المتجر، يكون قد أنفق في صمت آخر بنس بحوزته.

كان زوار الليل - الرجال ذوو الياقات المرفوعة والقبعات الناعمة المائلة إلى الأمام - يأتون ويحيون السيدة فيرلوك بإيماءة فيها ألفة، وبعد التحية الصامتة يرفعون الحاجز القلاب في نهاية منضدة البيع من أجل المرور إلى غرفة المعيشة الخلفية، التي توصلهم إلى ممر ثم إلى درج شديد الانحدار. كان باب المتجر هو الوسيلة الوحيدة للدخول إلى المنزل الذي كان السيد فيرلوك يمارس أعماله فيه سواء باعتباره بائع سلع مشبوهة أو باعتباره حامي حمى المجتمع ومن يغرس فيه الفضيلة. وكثيرا ما كان يزعم الأمرين الأخيرين. كان يقضي جل وقته في بيته. لم تكن احتياجاته الروحية أو العقلية أو البدنية من النوع الذي يتطلب منه المكوث خارج البيت كثيرا. بل وجد في البيت راحة بدنه وسلامة عقله، إلى جانب الاعتناء من زوجته والاحترام من والدتها.

كانت والدة ويني امرأة بدينة، أنفاسها مصحوبة بصفير، ولها وجه بني كبير. كانت تضع شعرا أسود مستعارا تحت قلنسوة بيضاء. تسبب تورم ساقيها في خمول حركتها. كانت تعتبر نفسها من أصل فرنسي، وربما كان ذلك حقيقيا؛ وبعد سنوات عديدة من الحياة الزوجية مع بائع مرخص للمواد الكحولية من النوع المنتشر، انغمست في حياة الترمل بتأجير شقق مفروشة لرجال بالقرب من طريق جسر فوكسهول في ميدان كان - ولا يزال - ينطوي على بعض الرقي، في منطقة بلجرافيا. قدمت لها هذه السمات الطبوغرافية بعض المزايا في إعلانها عن شققها؛ ولكن زبائن الأرملة ذات الوجاهة لم يكونوا بالضبط من النوع العصري. ومع ما كانوا عليه من علات، ساعدت ابنتها ويني في الاعتناء بهم. تجلت سجايا الأصول الفرنسية، التي كانت الأرملة تتفاخر بها، في ويني أيضا. كانت بادية في تسريحة شعرها الأسود اللامع المنمقة والمتقنة. كانت ويني تتحلى بصفات جمالية أخرى، منها شبابها وقوامها الممتلئ والملفوف وبشرتها الصافية؛ وتفضيلها للتحفظ الذي يستعصي فهم ما وراءه، والذي لم يحملها على الامتناع عن محادثة المستأجرين، الذين كانوا يحادثونها بحماس، بينما تحادثهم بلطف وود مكافئ. لا بد أن السيد فيرلوك وقع في براثن سحرها. كان السيد فيرلوك من الزبائن الذين يأتون على فترات متقطعة. كان يأتي ويذهب من دون أي سبب واضح. وبوجه عام، وصل إلى لندن (مثل الأنفلونزا) من القارة الأوروبية، غير أنه وصل من دون أن تعلن الصحف عن مجيئه؛ وكان ينطلق في زياراته بعزيمة جبارة. كان يتناول إفطاره على السرير ويظل يتقلب فيه باستمتاع هادئ حتى ظهيرة كل يوم، بل ويتأخر حتى بعد الظهيرة في بعض الأحيان. ولكن عندما كان يخرج، كان يبدو أنه يواجه صعوبة كبيرة في أن يجد طريق عودته إلى منزله المؤقت الكائن في ميدان بلجرافيا. كان يغادر المنزل في وقت متأخر ويعود إليه في وقت مبكر - في حوالي الساعة الثالثة أو الرابعة صباحا - وعندما يستيقظ في الساعة العاشرة، ينادي على ويني لكي تحضر له الإفطار ممازحا ومتلطفا بصوت أجش وواهن وبنبرات متعبة وكأنه ظل يتحدث بصوت عال لساعات متواصلة. كانت عيناه البارزتان المثقلتان بالنوم تدوران في محجريهما والتعب والغرام باديان فيهما، وأغطية السرير مشدودة حتى ذقنه، وشاربه الأسود الناعم يغطي شفتيه السميكتين اللتين لا تتوقفان عن المزاح المعسول.

Page inconnue