1177 avant J.-C.: L'année où la civilisation s'est effondrée
١١٧٧ق.م.: عام انهيار الحضارة
Genres
4
بالإضافة إلى ما لدينا من أدلة من خلال القطع الأثرية، فإنه من خلال الكتابة نمتلك أدلة ملموسة وواضحة على الترابط البيني والعولمة في هذه الأقاليم أثناء تلك السنوات، وخاصة من ناحية العلاقات الواضحة بين أفراد محددين مذكورين في الرسائل. ومن الأهمية بمكان أرشيف رسائل العمارنة في مصر، من زمن الفرعونين أمنحتب الثالث وإخناتون في منتصف القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وسجلات أوغاريت في شمال سوريا أثناء أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الثاني عشر قبل الميلاد، والسجلات الموجودة في حاتوسا في الأناضول أثناء الفترة ما بين القرنين الرابع عشر والثاني عشر قبل الميلاد. توثق الرسائل في هذه السجلات المختلفة حقيقة أن أنواعا متعددة من الشبكات كانت موجودة على نحو متزامن في إقليم إيجه وشرق المتوسط أثناء العصر البرونزي المتأخر، بما في ذلك شبكات دبلوماسية، وشبكات تجارية، وشبكات نقل، وشبكات اتصال، والتي كان ثمة حاجة إليها كلها للحفاظ على مواصلة عمل الاقتصاد المعولم لذلك الوقت وتدفقه بسلاسة. يمكن للقطع، أو حتى التفكيك الجزئي، لتلك الشبكات ذات الصلة أن يكون قد أحدث تأثيرا كارثيا في ذلك الوقت، مثلما يمكن أن يفعل في عالمنا اليوم.
ومع ذلك، كما كان الحال فيما يتعلق بسقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية، لم تكن نهاية إمبراطوريات العصر البرونزي في شرق المتوسط نتيجة لغزو أو سبب واحد، وإنما حدثت بسبب غارات كثيرة وأسباب متعددة. كان كثير من الغزاة أنفسهم المسئولين عن عمليات التدمير في عام 1177ق.م نشطين أثناء حكم الفرعون مرنبتاح في عام 1207ق.م، أي قبل هذا بثلاثين عاما. كذلك كانت زلازل، وموجات جفاف، وكوارث طبيعية أخرى قد ألحقت لعقود الخراب بإيجه وشرق المتوسط. لذلك، لا يمكن بالفعل تخيل أن واقعة منفردة يمكن أن تكون قد أدت إلى نهاية العصر البرونزي؛ وإنما لا بد وأن النهاية جاءت نتيجة لسلسلة معقدة من الأحداث التي ترددت أصداؤها في سائر الممالك والإمبراطوريات التي كان فيما بينها علاقات ترابط في إيجه وشرق المتوسط، والتي قادت في نهاية الأمر إلى انهيار النظام بكامله، كما رأينا.
بالإضافة إلى الخسارة السكانية وانهيار المباني العادية والقصور على حد سواء، يبدو من المرجح أنه كان ثمة فقدان، أو على الأقل انخفاض كبير، للعلاقات بين ممالك الإقليم المختلفة. وحتى إن لم تكن كل الأماكن قد سقطت وانهارت في نفس الوقت بالضبط، فبحلول منتصف القرن الثاني عشر قبل الميلاد كانت قد فقدت جانبي الترابط والعولمة اللذين كانا موجودين فيما بينها، خاصة أثناء القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد. وكما قال مارك فان دي ميروب من جامعة كولومبيا، فقدت النخب الإطار الدولي والصلات الدبلوماسية التي كانت قد شكلت لها دعما في السابق، في نفس وقت انقطاع وصول البضائع والأفكار الأجنبية.
5
وكان عليها حينئذ أن تبدأ من جديد.
عندما خرج العالم من انهيار العصر البرونزي، كان عصر جديد قد حل بالفعل، بما في ذلك فرص جديدة للنمو، وتحديدا مع زوال الحيثيين واضمحلال المصريين، اللذين كانا، بالإضافة إلى حكم أقاليمهما، يسيطران فيما بينهما على معظم سوريا وكنعان طيلة الشطر الأكبر من العصر البرونزي المتأخر.
6
وعلى الرغم من أنه كان يوجد قدر معين من الاستمرارية في بعض المناطق، وتحديدا في حالة الآشوريين الجدد في بلاد الرافدين؛ ففي المجمل كان قد حان وقت مجموعة جديدة من القوى وبداية جديدة لحضارات ناشئة، من بينها الحيثيون الجدد في جنوب شرق الأناضول، وشمال سوريا، ونقاط أبعد شرقا؛ والفينيقيون، والفلستيون، والإسرائيليون فيما كان يوما ما كنعان؛ واليونانيون في اليونان الهندسية، واليونان العتيقة، ثم اليونان الكلاسيكية. من رماد العالم القديم خرجت الأبجدية ومخترعات أخرى، فضلا عن زيادة هائلة في استخدام الحديد، الذي أطلق اسمه على الحقبة الجديدة؛ العصر الحديدي. إنها دورة شهدها العالم مرارا، وصار كثيرون يعتقدون أنها عملية حتمية تتمثل في بزوغ وأفول إمبراطوريات، يتبعها بزوغ إمبراطوريات جديدة، تسقط في نهاية الأمر وتستبدل بها إمبراطوريات أحدث، في إيقاع متكرر من النشأة، والنمو والتطور، والاضمحلال أو التدمير، وفي نهاية المطاف التجدد في شكل جديد.
أحد أكثر المجالات البحثية الحالية حول العالم القديم إثارة للاهتمام وأخصبها يتمثل في النظر فيما يحدث بعد انهيار الحضارات، أو ما يعرف باسم «ما بعد الانهيار»، ولكن هذا موضوع لكتاب آخر.
Page inconnue