قال العالم: يجب عليه أن يدعو عباد الله إلى الله، ويعرفهم أنهم من ربهم، فيرغبهم ويردهم إلى مولاهم من بعد هربهم منه، ويحبب إليهم خالقهم، ويعلمهم شرائع دينه، ويعرفهم آلاء الله ومنه ونعمه، ويلقنهم الشكر، ويرغبهم بالذكر في طاعته، ويحذرهم معصيته، ويريهم تقصيرهم، ويخوفهم هجوم الموت عليهم، ويعلمهم التوبة، ويدلهم على الله، ويعلمهم التوحيد حتى يوحدوا الله ويصدقوه ويعدلوه، وينشر العلم فنشره غنيمة، وذلك فعل الأنبياء والصالحين، ولو سكت العالم هلك العالم والمتعلم جميعا.
ومثل العالم والمتعلم مثل نور الشمس ونور العينين.
افهم لو أن رجلا بصير العينين بقي في بيت مظلم قد سد عليه بابه، وهو لا يهتدي إلى شيء فيه مخرجه، أليس يكون متحيرا لا ينتفع ببصر عينيه ما دام البيت مظلما، حتى إذا فتح عليه الباب، وخرج ورأى ضوء الشمس، انتفع ببصر عينيه عند ضوء الشمس. كذلك المتعلم يكون في بيت الجهل موثقا عليه بابه، لا يهتدي إلى الخروج حتى يفتح عليه العالم العارف، لأن المتعلم يستضيء بنور العالم، ويهتدي إلى منار طرقه، ويخرج من ظلمة الجهل إلى نور العلم، فعند ذلك يكون علمه خالصا من الآفات، وإنما الجاهل مثل المكفوف البصر لا ينتفع أبدا بضوء النهار، والليل والنهار في الظلمة عليه سواء. كذلك الجاهل لا يعرف ما هو فيه من ظلمة الجهل وعمى القلب، فلا يميز بين الحق والباطل، والجهل دآء وشين، لا يداويه غير العلم.
والعلم شفاء وزين، لا يدخل معه دآء ولا شين، وليس العلم علم اللسان، المعلق على ظاهر الإنسان، الخالي عن القلب، وإنما مثله كمثل شبكة الصياد التي ينثر عليها الحب للطير، وليس يريد بذلك منفعة الطير، ولكنه يريد أن يصطادها بذلك الحب المنثور على الشبكة.
Page 322