[الراغب]
قال الوافد: صف لي الراغب ؟
قال العالم: قل الراغب، وترك الواجب، ما لله طالب، ولا لعذابه راهب، ولا في ثوابه راغب، ولا عن الذنوب تائب، ولا فتى نفسه لله واهب، بل مدعي كاذب، تارك للحق مجانب، مهمل للسنة والواجب، معانق للخلاف مواضب، مشغوف بالدنيا طالب، إن البكاء على أمثالنا واجب، قبل الوقوع في العذاب الواصب، بين الحيات والعقارب، نفس من الباب طريد، وقلب من النشاط شديد، وعمل من المريد بعيد، كأن الفؤاد، صخر أو حديد.
أيها القلب الشديد، أما يكفيك الزجر والتهديد ؟! أما سمعت الوعد والوعيد ؟! ليلك عطالة، ونهارك غفلة، ودهرك مهلة. أليس لك من الجهل نقلة ؟ ( أي عذر لك غدا أو أي علة ؟! إلى متى العمل والزلة ؟! والمودة في غير الله والخلة ؟!)، أما تخاف موقف الذلة، إذا عرفت عملك كله، وعرضت على عالم التفصيل والجملة، أي ليلة لك وأي يوم ؟! وأي صلاة لك وأي صوم ؟! إلى كم الغفلة والنوم ؟ إلى كم تتبع عادات القوم ؟! إلى كم تحوم في المعاصي حوم ؟! كأني بك وقد وقفت في موقف اللوم ؟! على أي عهد لله أوفيت، على أي وعد لله قمت ؟! على أي توبة نمت، أي صلاح إليه رمت ؟! هل صليت لله مخلصا أو صمت، هل قعدت في رضى الله أو قمت.
كأني بك وقد ندمت على إضاعتك، ( أي معصية لله تركت، أي طاعة لله سلكت، أي هوى لنفسك لله خالفت، أي ليلة سهرت لربك، أي يوم صمت منه خوف ذنبك، هل أعملت في جوف الليل فكرك، قد أذنبت فهل اعتذرت، قد أجرمت فهل ندمت، وقد أضعت فهل أطعت، قد هربت فهل طلبت ؟ تقولت وتخرفت، وتوانيت وسوفت، وبارزت وخالفت، وعصيت وجاهرت )، وتأسفت على ترك طاعتك، وبكيت عند هجوم ساعتك، وخسرت في تجارتك وبضاعتك، ولم تنتفع بفصاحتك وبراعتك، وذهب ما كان من قوتك وشجاعتك.
Page 298