حتى إذا حان أوان خروجه من بطن أمه إلى الأرض، لم يقدر أحد على إخراجه أبدا، ولو اجتمعت الإنس والجن ما أحسنوا ذلك، فسبحان من أخرجه سويا لا يعرف أحدا، ولا يسأل رزقا قد أوجد الله له رزقه في صدر أمه لبنا يغذوه به لضعفه وقلة بطشه.
حتى إذا جل عظمه، وكثر لحمه، وقطع سنه، وطحن ضرسه، وبطشت يده، ومشى على قدميه، وعرف أن الله خالقه، وأنه الذي أفضل عليه رزقه في بطن أمه، وبعد خروجه في مهده، نسي ذلك كله وجحده، وجعل يطلب رزقه من مخلوق مثله، !!! {قتل الإنسان ما أكفره} [عبس: 17]. أما علم أن الذي رزقه في ضعفه هو الذي يرزقه في وقت قوته ؟! أما سمع ما قال الله تعالى في كتابه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: { لا نسئلك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى } [طه: 132]. أما سمعت قول الله تعالى حيث أقسم في كتابه فقال عز من قائل: { وفي السماء رزقكم وما توعدون، فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون } [الذريات: 22 - 23].
أما سمع قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال ( لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها )، وقال: ( لو أن أحدكم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت ). وقيل لأمير المؤمنين علي عليه السلام يا أمير المؤمنين: ( من أين يأتي الرزق إلى الإنسان ؟ قال: من حيث يأتيه الموت ) .
قال الوافد: أيها العالم الحكيم أخبرني ما أفضل ما أعطي العبد ؟
قال: العقل الذي يعرف به نعمة الله ويعينه على شكرها، وقام بخلاف الهوى، حتى عرف الحق من الباطل، والضر من النفع، والحسن من القبيح.
قال الوافد: فما وراء ذلك يرحمك الله ؟
قال العالم: الإيمان، وحقيقة الإيمان: الإخلاص وصدق النية، حتى إذا عملت عملا صالحا لم تحب أن تذكره، وتعظم من أجل عملك، ولا تطلب ثواب عملك إلا من الله، فهذا هو إخلاص عملك، فإن عملت عملا وأحببت أن تذكر وتعظم من أجله، فقد تعجلت ثوابه من غير الله، ولم يبق لآخرتك منه شيء.
Page 277