Le monde des barrages et des contraintes
عالم السدود والقيود
Genres
لكن الاهتمام جد الاهتمام إنما يكون بالرقابة على تنفيذ هذا النظام، فإن العدس قد يكون صحيحا وقد يكون منهوكا بالسوس، والخضر النيئة قد تكون ذابلة هزيلة وقد تكون ناضرة جزيلة، واللحم قد يكون لحم حيوان شائخ أعجف سقيم، وقد يكون لحم حيوان فتى فاره سليم، والسمن قد يكون مغشوشا مخلوطا وقد يكون من اللبن النقي الممخوض، والخبز قد يصنع من الدقيق النظيف وقد يصنع من الدقيق المشوب بالحصى والتراب، والفرق كل الفرق ما بين عدس وعدس وخضر وخضر، ولحم ولحم، وسمن وسمن، وخبز وخبز، وإن كانت كلها في العنوان سواء.
فالرقابة هنا هي أس النظام، والحذر من العبث والإهمال هو أولى الأمور باليقظة والانتباه.
كذلك المرضى المستحقون للبر والرحمة قد يصلون إلى مكانهم من المستشفى بغير عناء ولا كلفة إذا حسنت الرقابة واستقام الإشراف، وقد يحرم هذا الحظ من هو أهله ويعطاه من هو غير أهله إذا التوت الأمور واستفاض الخلل والإهمال.
ومن الحق علي أن أقرر هنا أنني شكوت مرة من بعض الخلل الخطير فلم ينقض يوم على الشكوى حتى أزيلت أسبابها وحيل بين المسيء وما يسيء، ومن الحق علي كذلك أن أشهد لكثير من الأطباء والموظفين في سجن مصر بالجد والأمانة والإخلاص وبذل الوسع في تخفيف الشقاء وتلطيف الآلام، فإذا قضيت هذا الحق وهو فرض لا أنساه فمن حق الضعفاء علي أن لا أنسى حاجتهم إلى الرقابة الناجعة، ولا أنسى سهولة الإجحاف بهم والقسوة عليهم، إذا آلت الأمور إلى غير القادرين وغير المخلصين. •••
على أن مسألة الطعام في السجن - سواء صلح نظامه أو افتقر إلى التعديل والتنقيح - مسألة لم تغب عن أذهان الحاكمين، ولم يغفلوا عن تقريرها بالمبدأ والقاعدة تارة وتعهدها بالرقابة والاستطلاع تارة أخرى، ولكن العجيب كل العجب أنهم قد غفلوا وتغافلوا جميعا في مصر وفي معظم بلاد العالم عن وظيفة جسدية ليست في صميمها بأقل من وظيفة التغذية، وقد ترجح عليها بما لها من الأثر السريع في الأخلاق والآداب، ونعني بها وظيفة الغريزة الجنسية وحاجة الرجل إلى المرأة في الشهور أو السنين الطوال التي يقضيها بمعزل عن النساء، فهل في وسع طبيب أن يجيز تعطيل هذه الوظيفة في جسد صحيح ميسور الغذاء؟ وهل في وسع حاكم أن يزعم أن السكوت عنها أو إسبال الستار عليها كاف لإلغائها وكفيل بمحوها وإخفائها؟ وهل في وسع الحاكم والطبيب أن يرضيا عن شذوذها وتحولها كما تشذ وتتحول في مئات من الأحوال ينتهي خبرها إلى الحراس والرقباء، وفي ألوف من الأحوال لا ينتهي خبرها إليهم وإن كانت في حكم المعلوم المفهوم؟
ليس السجناء نساكا ولا رهبانا فيطالبوا بزهد النساك والرهبان، وليس من الصلاح لهم أن يطالبوا بذلك وهم لا يؤمنون بنية الزهد ولا يستمرئون سلوى العفاف، ولا يقصدون النسك ولا الرهبانية، فمن أعجب الدلائل على كسل العقل الإنساني واعتياده أن يحل المشكلات بالإعراض والتغابي هذه الغفلة السادرة عن المسألة الجنسية في السجون، وهي مشكلة لا تحل بالسكوت ولا تحل بالشذوذ ولا بد لها من حل، وليس من يتصدى لحلها بين الرؤساء المسئولين كأنما هي شيء غير موجود!
حدث في بعض الليالي أن استيقظ السجن كله على ضجة هائلة لا يتميز منها صوت بين صليل عشرات من الجرادل والكيزان تتساقط على الأرض أو تصطدم بالجدران، ويتخلل ذلك صياح المجروحين وعويل المضروبين وزمجرة كزمجرة الوحوش وضحك كضحك المخبولين، ثم جاء ضابط السجن وفتح الحجرة التي انبعثت منها هذه الضجة فإذا بالذين فيها وعدتهم نحو الثلاثين ممن يسمونهم بالأحداث عرايا متهتكون وإذا بالحادث كله مسألة من مسائل الشذوذ.
ويتكرر هذا الحادث وإن لم تتكرر هذه الضجة، ويبطل الحياء منه لكثرة التكرار والابتذال فيرويه بعض المتهمين على مسمع من السجناء والحراس بصفاقة كأنها صفاقة الحيوان، ومنهم من كان يساق إلى الجلد فينعى على زميله أنه خائن وأنه حانث في يمينه، ولا يحسب أن في الأمر غير ذلك ما يشين، وربما وقعت هذه الحوادث وفي الحجرة أكثر من خمسة أو ستة؛ لأن الحياء منها يوشك أن يكون في حكم المعدوم.
ولست أذكر أنني قرأت كتابا واحدا عن ذكريات السجون إلا وفيه إشارة إلى الشذوذ الذي يدفع إليه كبت الغريزة الجنسية، فهو مذكور في كتاب دستيفسكي «منزل الأموات»، وفي كتاب مكارتني
Macrtney «الحيطان لها أفواه»، وفي كتاب الدكتور هامبلين سميث
Page inconnue