تحتل جمهورية ياكوتيا الذاتية جزءا كبيرا من سيبيريا الشرقية، وتبلغ مساحتها 3 مليون كيلومتر مربع، لكن سكانها لا يزيدون عن نصف مليون شخص، وهذه الجمهورية هي أكثر بقاع العالم قاطبة تطرفا في المناخ القاري المتطرف، فالمتوسط الحراري السنوي هو −11° مئوية، ومتوسط حرارة يناير −45° مئوية، وترتفع الحرارة بشدة في الصيف إلى أن تبلغ أحيانا +40°م، ولكن لا توجد أكثر من مائة يوم ترتفع فيها متوسطات الحرارة إلى أعلى من عشر درجات مئوية.
والياكوت جماعة تنتمي إلى المجموعة التركية-المغولية، تطرفت في سكناها إلى هذه المنطقة الشديدة القسوة لأسباب غير معروفة - ربما بداعي الغزو، وقد طرد الياكوت جماعات التنجوس واليوكاجير إلى الشمال والشمال الشرقي حينما احتلوا هذا الإقليم، ويكون المستوطنون من الروس نحو 10٪ فقط من مجموع السكان.
وفي عام 1923 عثر على خام الذهب في رمال وادي نهر ألدان، ثم اكتشفت أيضا مصادر الفحم مما وجه الأنظار إلى هذا الإقليم الشديد الفقر.
وبالرغم من أن الاستغلال المعدني لم يكن واسعا وعدد المستوطنين الروس قليل نسبيا إلا أن أهم النتائج إنما كانت التحول الكبير في حياة الياكوت السلفية، فلقد نظم الرعي والصيد تنظيما علميا ممتازا ودخلت التعاونيات والمزارع الجماعية - الكولخوز - المنطقة، وأقبل عليها السكان إقبالا كبيرا مما أدى إلى توقف الرعي المترحل للرنة، وأصبحت هناك مناطق مخصصة لصيد حيوان الفراء، بل ومزارع لتربية بعض هذه الحيوانات والصغيرة أيضا.
وابتداء من عام 1930 دخلت السيارة والجرارات ياكوتيا، وأدخلت الأبقار إلى حوض لينا الأوسط لأول مرة في صورة مزارع جماعية لتربية الحيوان، وكذلك نظمت حياة مستخرجي الذهب تنظيما تشرف عليه الدولة بعد أن كان في البداية مرتبطا بعمليات فردية.
ولا شك أن هذا التحول الكبير قد جاء نتيجة لدخول المواصلات الحديثة إلى الإقليم، فالأنهار التي يبلغ طولها قرابة عشرين ألف كيلومتر لا يمكن استخدامها إلا في خلال الصيف القصير، وتستخدم أساسا في نقل الأخشاب المقطوعة شمالا بالإضافة إلى نقل بعض البضائع، وإلى جوار الأنهار كانت هناك الطرق غير المعبدة، والنية متجهة إلى مد خط حديدي بين أركوتسك على بحيرة بايكال وياكوتسك عاصمة ياكوتيا، وقد وصل هذا الخط إلى كيرنسك على أعالي لينا، وبذلك يكون قد قطع حوالي ثلث المسافة إلى ياكوتسك، لكن المواصلات الحديثة الحالية تتمثل في خطوط الطيران التي أصبحت ياكوتسك مركزا هاما لها في سيبيريا الشرقية، وهناك عدة طرق مرصوفة تنتهي إلى سيبيريا الجنوبية أو إلى ميناء ماجادن على بحر أوختسك في الشرق، وتمثل ياكوتيا في الواقع منطقة صعبة الارتياد والسكن تتضافر فيها كل العوامل الطبيعية لمعاداة السكن والاستيطان، لكن الثروة الطبيعية الممثلة في الذهب والماس والفحم، والأخشاب وحيوان الفراء، قد أدت إلى استحداثات جديدة في طرق الحياة برغم التكلفة المرتفعة، وسيجيء اليوم الذي تقل فيه التكلفة بعد إعداد شبكة نقل برية وحديدية منتظمة، ولكن ذلك مرتبط أساسا بالاهتمام باستغلال فحم ياكوتيا الذي ما زال حتى الآن احتياطيا عظيما للمستقبل في الاتحاد السوفيتي، طالما أن مصادر الفحم السوفيتية الأخرى الكائنة قرب مراكز الصناعة ما زالت في حالة استخدام جيد. (4) النمو السكني في الشمال السوفيتي
منذ أكثر من ألف عام والمنطقة الشمالية الأوروبية تعتبر خلفية أساسية للروس، فهي بذلك ليست أرضا جديدة، وقد كانت هذه المناطق الشمالية مصدرا للفراء الفاخر الذي يتجه في تجارته جنوبا إلى حوض البحر المتوسط، وفي خلال القرن الرابع عشر عبر الروس الأورال الشمالية، ومنذ ذلك الحين أصبحت التاييجا الأوروبية حتى الأورال المصدر الأساسي للأخشاب والثروة لإمارة موسكو، وفي خلال القرن السادس عشر ونظرا لتحكم السويد وبولندا في البلطيق، كان على موسكو أن تتجه شمالا بحثا عن مخرج بحري لها، وقد تم ذلك بعد وصول سفن إنجليزية إلى ديفينا الشمالي عام 1553، وبذلك أصبحت أركانجل نافذة لإمارة موسكو على العالم الخارجي حتى بداية القرن الثامن عشر، وقد توالت بعثات الكشف الروسية في سيبيريا حتى وصلت إلى الباسيفيك في النصف الأول من القرن السابع عشر، وفي تلك الفترة أنشئت المدن الروسية القديمة في سيبيريا مثل توبلسك وياكوتسك وفرخوياتسك، ولكن الاهتمام بسيبيريا والشمال قل كثيرا بعد عام 1700 نظرا لسقوط البلطيق في يد الروس، وإنشاء مدينة لننجراد الحالية، ونمو مركز الثقل الصناعي من موارد الطاقة المتمثلة في الأخشاب الشمالية إلى فحم الأورال وأوكرانيا خلال القرن التاسع عشر.
وقد ظلت منطقة مورمانسك ميناء صيد صغير إلى أول القرن العشرين حين بدأ الاهتمام بها، ومد إليها الخط الحديدي الذي وصلها قبيل الثورة البولشفية مباشرة، ومنذ تلك الثورة بدأت العناية توجه إلى الشمال مرة أخرى، وفي هذه المرة كان الدافع هو البحث عن المعادن، وفتح طريق الشمال البحري لأول مرة في أوائل الثلاثينات، وأصبحت السفن تمر من أركانجل إلى فلاديفستوك خلال الصيف، لكن معظم السفن كانت تقوم بنقل الأخشاب من ميناء إيجاركا الجديد على مصب الينسي إلى مورمانسك وساحل الأطلنطي.
وقد اكتشف الذهب في حوض كوليما وألدان، وبنيت طرق لكل الأجواء لتصل إليها من ميناء ماجادن على بحر أوختسك ومن خط حديد سيبيريا عند بحيرة بايكال، كما ثبت وجود احتياطي كبير من الفحم تحت أرض الصقيع الدائم، واستغل بكميات صغيرة، واكتشفت مناجم النيكل الغنية عند نوريلسك قرب مصب الينسي، وبدأ تشغيلها عام 1940، كما استغل الحديد والنيكل والأباتيت في شبه جزيرة كولا والبترول بكميات محدودة في وادي بتشورا الأسفل، وإلى جانب ذلك نمت صناعة صيد الأسماك في كل من بحر كارا وكمتشكا على السواء. (5) الأوضاع الاقتصادية الحالية
يمتلئ الشمال السوفيتي بمشروعات اقتصادية عظيمة، لكن التكلفة العالية، وقلة وسائل النقل، ووجود عقبتين أساسيتين: ندرة الزراعة لإعطاء ثبات محلي للسكان، وقلة الأيدي العاملة، كلها عوامل تقف أمام تنفيذ هذه المشروعات.
Page inconnue