Le monde d'Alexandre le Grand
عالم الإسكندر الأكبر
Genres
ما كان ضروريا للنجاح العسكري بالقدر نفسه هو الخيالة المقدونية. سبق أن نوهنا إلى صلاحية الأرض المقدونية والتيسالية لاستيلاد الخيول، وعلى النقيض مما كان عليه الوضع في معظم العالم الإغريقي الجنوبي، كان استخدام المقدونيين الخيل في الحرب شائعا قبل زمن فيليب، وكان لا بد للملك الناجح من أن يكون ماهرا في ركوب الخيل وقائدا يعتمد عليه لجنوده المشاة. تتضح لنا منزلة الخيالة من إطلاق اسم «صحابة الملك» على أفضل عناصرها، وكان الملك يقود هذه الوحدة الخاصة بنفسه. كانت الوحدات تشكل على هيئة سرايا على رأس كل منها قائد، وكانت بمنزلة «قوات صدمة» هدفها اختراق أي ثغرات في صف العدو. كان الخيال يرتدي درعا للصدر ويحمل ساريسا طولها نحو 9 أقدام (3 أمتار) بالإضافة إلى سيف معقوف طويل. كانت الساريسا مسننة بالحديد في كلا طرفيها بحيث يمكن استخدامها كرمح ونصل طاعن في القتال المتلاحم. وكان هناك العديد من الوحدات الراكبة كشأن قوات المشاة. كان بعض الخيالة رماة نبال ركبانا، وكان بعضهم الآخر يسير متقدما الجيش بمسافة على هيئة كشافة.
كان الجيش المقدوني يستعين قبل القتال بالمعلومات الاستخباراتية التي تمده بها الكشافة، وبالتحسينات التي طرأت على خطوط الإمداد والتموين ومكنت الجيش كاملا من السير حوالي 15 ميلا (24 كيلومترا) في اليوم، والقوات الخفيفة من السير بسرعة تزيد على 40 ميلا (65 كيلومترا) في اليوم. ولتسهيل الاستيلاء على المراكز المحصنة كان الجيش يستعين بآلات الحصار التي استحدثها فيليب، كالمجانق الالتوائية التي تستطيع قذف رءوس سهام لمسافة نحو 1600 قدم (500 متر)، وقذف حجارة تزن 50 رطلا (أكثر من 22 كيلوجراما)، وأبراج الحصار الضخمة. كان جميع الجنود يتلقون تدريبا دائما، وهي ممارسة اعتبرها رجل الدولة الأثيني ديموستيني «خداعا» فقال: «الصيف والشتاء سيان عنده ... فلا يوجد موسم يوقف فيه العمليات» (الخطبة الفيليبية الثالثة، 50).
على صعيد القدرة البحرية، وسع فيليب القوة المقدونية بإنشاء أسطول. كان بناء السفن ممارسا على الأرجح بصورة ما في الأزمنة القديمة، وكما رأينا فإن الدول الإغريقية كانت تتلهف على موارد مقدونيا من الخشب الممتاز لاستخدامه في بناء سفن لأنفسها؛ غير أن الباحثين ينسبون دائما إلى فيليب الفضل في إنشاء أسطول، وخصوصا للاشتباك مع الجيران ذوي القدرات البحرية في شرق بحر إيجة وبحر بروبونتيس والبحر الأسود. كان يدرك أن القوة البحرية ضرورية لأي مجهود يهدف إلى التصدي للوجود الأثيني في تلك المناطق، بجانب امتلاك الموارد اللازمة. وبحلول سنة 340 صار لدى فيليب الأسطول والدافع لدخول تلك المياه، فجرد حملته أولا في شبه جزيرة كيرسونيسوس ثم في بحر بروبونتيس، ومكنه أسطوله من ضرب حصار على كل من بيرينثوس وبيزنطية. وتتجلى حقيقة أن مقدون لم تكن طورت خبرة عظيمة في عالم بوسيدون (إله البحار) في فشل كلتا هاتين المحاولتين؛ إذ تمكن الأسطول الأثيني المؤلف من 40 سفينة فقط من دحر الأسطول المقدوني عن بيزنطية إلى البسفور، وسريعا إلى البحر الأسود؛ لكن ذلك الأسطول نفسه تمكن من الاستيلاء على أسطول الحبوب الأثيني المؤلف من 230 سفينة على بكرة أبيه. وقد تأخر إتقان المقدونيين الحرب البحرية حتى الربع الثاني من القرن الثالث، لكن أهميتها نالت الاعتراف قبل ذلك بقرون.
في الرواية التي تتحدث عن تخليص الأسطول العالق في البحر الأسود دلالة على مظهر آخر من مظاهر النجاح العسكري المقدوني، ألا وهو الاستخبارات المضادة. يبدو أن فيليب كان بارعا في إرسال تقارير إلى ضباطه يرجى من ورائها أن تقع في أيدي العدو؛ فلمساعدة ذلك الأسطول، أرسل فيليب أوامره إلى أنتيباتروس، الضابط المسئول عن الشئون في تراقيا، يأمره بالرحيل فورا عن منطقة بحر بروبونتيس، وعندما تصادف وصول هذه «المعلومة» إلى الأسطول الأثيني المتمركز في البسفور - على نحو ما كان فيليب يرجو بل يتوقع حدوثه أيضا على الأرجح - أبحر الأسطول الإغريقي قاصدا ساحل تراقيا الإيجي، فسمح من ثم للأسطول المقدوني بالإبحار دونما عائق عبر البسفور إلى بحر بروبونتيس. وتتكرر «حالات اعتراض» مماثلة للمعلومات في مراحل كثيرة حاسمة في مشوار فيليب العسكري. (5) الأفراد العسكريون
كان توسيع الوحدات العسكرية وتنويعها يتطلب عددا أعظم من الأفراد، وقدرا أكبر من التدريب المتخصص لهم. كان النجاح في الميدان في مواجهة الخصوم من شأنه أن يوفر في آن واحد معينا أكبر للتجنيد ومجندين ذوي خبرات خاصة، كالأغريانيين الذين كانوا يسكنون حوض نهر سترايمون واشتهروا ببراعتهم في رماية النبال، والتيساليين الذين كانوا أبرع من ركب الخيل من الإغريق. ولأن التوسع كان متذبذبا كحركة الأكورديون أثناء التاريخ المقدوني، لا نستغرب أن ارتبطت الابتكارات العسكرية، وخصوصا تقوية وحدات المشاة، بفترات التوسع. الشيء اللافت بخاصة هو الزيادات في الرقعة الجغرافية أثناء حكم الإسكندر الأول في القرن الخامس وفيليب الثاني في منتصف القرن الرابع؛ إذ كان لب المملكة الأصلي في القرن السادس ومستهل القرن الخامس أشبه بقوس من الأرض بمحاذاة الساحل الغربي للخليج الثيرمي، مع امتداده لمسافة قصيرة على الساحل الشمالي. وفي عهد الإسكندر الأول، ازدادت المساحة إلى 6600 ميل مربع (17200 كيلومتر مربع) بإضافة أجزاء من مقدونيا العليا؛ وبحلول نهاية عهد فيليب الثاني شملت السيطرة المقدونية 16680 ميلا مربعا (43210 كيلومترات مربعة). يقدر عدد السكان في زمن فيليب بسبعمائة ألف نسمة، مقارنة بمائتين وخمسين ألف نسمة قبل ذلك بما يزيد على قرن بقليل، وسيشكل الذكور البالغون ما بين 160 و200 ألف من هذا العدد، وهؤلاء هم معين التجنيد العسكري.
الخريطة 3: توسيع لب مقدونيا في عهد فيليب الثاني.
كان الأفراد يجندون كمشاة وخيالة على السواء، وكما أسلفنا كانت هناك وحدات خاصة بين كل من المشاة والفرسان، ومع أن الشواهد لا تبين طبيعة التدريب، فإنها تشير إلى أنه كان دائما. وكان مسار الشباب الأرستقراطي المهني الذي يبدأ مبكرا في حوالي سن الثالثة عشرة هو الآخر مسارا دائما؛ إذ كان مصمما لتخريج ضباط يتسمون بالكفاءة والولاء. وتشير الشواهد إلى أنه كان ناجحا بشدة، وإن لم يكن بصورة كلية. ربما كان الارتقاء الأولي تجربة مهينة؛ إذ كان يضع شابا من النخبة في مرتبة جندي مشاة. ومن ناحية أخرى، كان هؤلاء الشباب جزءا من وحدة مشاة أرستقراطية أصغر تتمتع بارتباط خاص بالملك، وكانوا بهذه الصفة يواصلون مباشرة مسئوليتهم الأصلية، وهي حراسة الملك في ميدان المعركة، وفي أثناء ذلك يمكنهم إثبات جدارتهم بالترقي في سلم القيادة. وصلت إلينا معلومات كافية عن ضباط الإسكندر تبرهن على أهمية التدريب المبكر في الوقوف على الرجال الذي سيعينون في النهاية في المناصب ذات الشأن، وكانت هناك هرمية مماثلة في صفوف الخيالة، التي كانت تضم وحدة نخبوية هي فصيلة الملك؛ وعلى هذا النحو أيضا كانت تختبر همة الرجال الأصغر سنا بغية تكليفهم بمهام مستقبلية. كانت هناك حاجة أيضا إلى غير الأرستقراط كضباط مسئولين عن الجنود المدرعين العاديين. ومع أن غالبية هؤلاء القادة كانوا ينتمون إلى خلفيات مغمورة، يبدو منطقيا أن نتصور وجود سلم للارتقاء هنا، وأيضا فيما يخص الجنود الملكيين.
من المناصب المرموقة بخاصة أن يكون المرء واحدا من حراس الملك الشخصيين السبعة أثناء وجوده في بيلا، وأيضا وهو خارجها على رأس حملة. وكان الفرد يشغل هذا المنصب مدى الحياة ما لم يوجد ما يبرر إقالته. وقد أورث فيليب الإسكندر ثلاثة من حراسه الشخصيين؛ وهم أريباس الإبيروسي الذي ربما كان من أقارب أوليمبياس وارتحل مع الإسكندر حتى وصل مصر ومات فيها متأثرا بمرضه، ورجل يسمى ديميتريوس استمر كحارس للإسكندر حتى أقيل بشبهة الخيانة سنة 327، وبالاكروس الذي خدم مع الإسكندر حتى نهاية معركة إيسوس سنة 333، وعندئذ عين حاكما على قيليقية. بالإضافة إلى الحراس الشخصيين، كان جميع القادة معاوني الملك ذوي أهمية بالغة لنجاح المقدونيين في الحرب، وتدلنا أمثلة ثلاثة من أقوى رجال فيليب على تاريخهم الشخصي وطبيعة مشاويرهم المهنية.
كان أنتيباتروس، المولود بعد سنة 400 بقليل، يكبر فيليب بنحو 17 أو 18 سنة، ومن ثم كان ناشطا في خدمة أبي فيليب وإخوته الذين سبقوه على العرش. كان أنتيباتروس ابن لولاوس وينتمي إلى مكان يسمى باليوريا موضعه غير مؤكد. ما يؤيد انتماء لولاوس إلى أسرة أرستقراطية تعيين بيرديكاس الثاني إياه قائدا للفرسان سنة 432 (ثوكيديدس، الكتاب الأول، 62، 2)؛ ومنزلة أولاده؛ إذ كان اثنان من أبناء أنتيباتروس (فيليبوس ولولاوس) من حراس الملك الشخصيين، وكان لبناته دور مهم في إقامة التحالفات من خلال الزواج؛ وقد أسند إليه شخصيا أداء مجموعة متنوعة من الخدمات، كقائد في الحملات، وللتفاوض على شروط السلام لدى انتهاء الحرب المقدسة سنة 346، ومع أثينا بعد النصر المقدوني في خيرونية سنة 338، ولتمثيل فيليب في الفعاليات الهيلينية الجامعة المهمة كدورة الألعاب البيثية سنة 342، وللعمل كوصي على العرش في غياب فيليب. خلاصة القول أن أنتيباتروس نموذج يمثل العائلات الأرستقراطية التي تنتمي إلى لب المملكة، والتي كان يمكن الاعتماد عليها كحلفاء للملك الأرغي، على الأقل في هذه الحالة.
أما بارمنيون، الذي تزامن مولده تقريبا مع مولد أنتيباتروس، فهو إن لم يكن يساوي أنتيباتروس في أهميته عند فيليب، فقد كان يدانيه. روى بلوتارخس أن فيليب قال إن الأثينيين ينتقون 10 قواد كل سنة، لكنه لم يعثر على مدى سنوات إلا على قائد واحد وهو بارمنيون (بلوتارخس، أقوال فيليب الثاني = الأخلاق، 177سي). تعود أصول بارمنيون بن فيلوتاس على الأرجح إلى مقدونيا العليا. وبعد أن ساعد بارمنيون فيليب في تثبيت دعائم حكمه في السنوات المضطربة الأولى، قاد حملات ألحقت هزيمة بالإليريين سنة 356، وتفاوض على بنود السلام بجانب أنتيباتروس سنة 346، ووقع عليه الاختيار ضمن قادة القوة المتقدمة في آسيا الصغرى سنة 337. كان ابنه، المسمى أيضا فيلوتاس، من غلمان الملك، وترقى في المناصب المهمة خلال مشواره؛ وكان الابن الذي يصغره، واسمه نيكانور، ضابطا في صفوف الجنود المدرعين الصحابة وعين حاكما في غرب الهند؛ وأما ابنه الأصغر، ويسمى هكتور، فمات أثناء حملة الإسكندر في مصر. تبين هذه الأسرة المهمة أهمية الروابط مع إقليم مقدونيا الأوسع وكذلك أخطارها؛ إذ أعدم بارمنيون وفيلوتاس بعد ثبوت خيانتهما الإسكندر الثالث.
Page inconnue