Le monde d'Alexandre le Grand
عالم الإسكندر الأكبر
Genres
مع اتساع ضلوع فيليب في مناطق جديدة ومختلفة من بحر إيجة، أدرك أهمية التكنولوجيا. وجلبت الصلات المبكرة بين المملكة وتيساليا خدمات بولييديس، الذي ينسب إليه الفضل في وضع تصميمات ميكانيكية جديدة ومبسطة. وربما أنشئت في بيلا ما وصفت بأنها «دائرة فيليب للهندسة الميكانيكية»؛ حيث كان بولييديس ينفذ تصميماته ويدرب أيضا طلابا سيخدمون الإسكندر فيما بعد. على الرغم من عدم اكتمال الشواهد، فلا شك أن فيليب استعمل مجانق تطلق السهام، وربما طورت في عهده آلة حصار الأسوار الالتوائية. كان جيش فيليب يستعين لأغراض الحصار بأبراج يصل ارتفاعها إلى 120 قدما (أكثر من 36 مترا) ومدقات وسلالم.
كانت هذه وغيرها من «دوائر» الهيكل الإداري المركزي ضرورية لإنشاء مملكة قوية والحفاظ عليها. والشواهد على طبيعة هذا الهيكل ضئيلة نظرا لندرة المعلومات الكتابية التي وصلتنا من مقدونيا أثناء القرن الرابع عشر حتى عهد فيليب، لكن هناك شواهد آثارية، وتحتوي السجلات الإغريقية التي وصلتنا من تلك السنوات على معلومات مفيدة، وفي الأوضاع المحلية والوطنية المعروفة لنا مؤشرات دالة.
كانت بيلا قد تحولت إلى مركز المملكة، وربما حدث ذلك مبكرا وتحديدا في عهد أرخيلاوس (413-399)، وفي عهد فيليب اتسعت المدينة. وبما أنها ظلت عاصمة المملكة المقدونية حتى الفترة الهلنستية، فإن معظم الموقع الذي يعود إلى القرن الرابع بني فوقه؛ ومن ثم لم يتسن تحديد موضعه والتنقيب فيه. ومع ذلك فمخطط المدينة واضح نسبيا؛ ففي وسط المدينة كانت هناك ساحة عامة تزيد على 17 آكر (7 هكتارات) يقطعها شارع واسع، وهو جزء من الطريق الملكي، وكان يحيط بالساحة العامة رواق، وكان القسم الشمالي من هذا الرواق ذا طابع إداري، وأما الجنوبي الغربي فكان أرشيفا، وكانت الأقسام الأخرى من المجمع تضم حوانيت ومشاغل. كانت الوحدات الإدارية توجد على الراجح في أجزاء من هذا الرواق. وبالإضافة إلى الأرشيف، كان موظفو أمانة السر يحتاجون إلى مكاتب. كان ينفق مبلغ لا بأس به من أموال الخزانة انطلاقا من العاصمة، وكانت إدارة الخزانة ومخازنها تشغل وحدة أخرى. وربما كانت «الدوائر» التي تنتج وتصمم فيها الأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى وآلات الحصار؛ موجودة في منطقة ما بالرواق الضخم.
يغطي القصر، المقام فوق رابية شمال الساحة العامة، نحو 15 آكر (6 هكتارات). كان هناك فناء أوسط كبير تحيط به ثلاثة مجمعات منفصلة يطل كل منها على فناء كبير؛ كانت إحدى هذه الوحدات تضم حمام سباحة، وربما كانت وحدة أخرى تستخدم كمدرسة مصارعة أو قاعة للتمارين الرياضية. ويمكن استنتاج استخداماتها العديدة من الروايات الكتابية عن الحياة في بيلا. استخدم قسم لا بأس به من هذه المساحة كمسكن لفيليب وزوجاته السبع وأطفالهن وأقاربه الآخرين والعدد الكبير من طواقم العمل المنزلية التي تستلزمها هذه الأعداد. كان هناك رسل يفدون بانتظام للقاء الملك المقدوني؛ ومن ثم خصص مكان يلبي حاجاتهم أثناء وجودهم في بيلا، ومكان آخر مناسب لعقد الاجتماعات مع الملك وموظفي ديوانه. كان هناك شطر من طاقم معاوني فيليب يتعين وجودهم أيضا في أي وقت بعينه، بالإضافة إلى شباب العائلات الأرستقراطية الذين أرسلوا إلى عاصمة المملكة لتلقي التدريب كقادة مستقبليين، والذين كانوا في واقع الأمر في خدمة الملك أثناء سنوات تدريبهم هذه. كانت الندوات الشهيرة التي يعقدها المقدونيون تتطلب مفروشات خاصة وغيرها من التجهيزات، فضلا عن مخازن تستوعب كميات الخمور التي يحتسونها. ضم القصر أيضا مكانا مناسبا لإقامة المناسبات الكبرى كالزفاف والاحتفاء بامتيازات الشرف التي يمنحها فيليب بنفسه. وتظهر أرضيات الفسيفساء المنمقة، والرسوم الجدارية التي رسمها الفنان الإغريقي زيوكس (الذي استقطب إلى مقدون أثناء حكم أرخيلاوس)، والمشغولات الأنيقة الموجودة في بيلا وغيرها من مراكز المملكة؛ العناية التي بذلت والثروة التي استثمرت لخلق درجة معقولة من الأبهة. كانت المزارات المقدسة - كالمنطقة الدائرية المكرسة للربة ديميتر - والمقابر أيضا، جزءا من مشهد مدينة بيلا في القرن الرابع. ليس من الواضح هل كانت بيلا محصنة في مراحلها الأولى أم لا؛ فالشواهد التي بين أيدينا يعود تاريخها إلى الجزء الأخير من القرن الرابع.
تعود بدايات نشأة الكثير من معالم بيلا إلى العاصمة السابقة آيجي، ويوحي مخطط آيجي بأن بيلا كانت محصنة في مطلع القرن الرابع. من المفيد أن ننوه إلى أن المركز السكني والإداري في العاصمة القديمة كان يقع على هضبة تحول دون وصول الزوار غير المرغوب فيهم إليه، وبالإضافة إلى ذلك كان المركز محصنا بسور جيد البناء. كانت هناك بوابة في الجانب الشرقي يحميها برج دائري، وكان القصر يحتوي على مساكن، وغرف كبيرة للفعاليات الرسمية، ومشاغل. ويدل ما وصل إلى أيدينا من فسيفسائيات وملامح معمارية على كل من الثروة والعناية اللتين استثمرتا في إنشائه. كان المسرح المقام عند سفح الأكروبول وحرم يوكليا - التي أسلفنا ذكرها عند الحديث عن أم فيليب - يشغلان جزءا أساسيا من آيجي. تنم المدافن وما اكتشف من قرابين يعود تاريخها إلى الضريح المرتبط بالإسكندر الأول، عن القوة الصاعدة التي كان يتمتع بها الملوك الأرغيون؛ مما كان يستدعي بدوره مركزية الأنشطة واتساع الاتصالات الثقافية. خلاصة القول أنه مع اشتمال بيلا على هذه الملامح ذاتها وإن كانت مكبرة، لم يأت هذا من فراغ.
ومع ذلك وصف شهود عيان السلطة المنبثقة من بيلا أثناء حكم فيليب الثاني. وفي الروايات الإغريقية التي وصلت إلى أيدينا، وخصوصا روايات الأثينيين ديموستيني وإيسقراط وإيسخينيس، برهان على أن فيليب كان بارعا في الفوز بالدبلوماسية وبالقوة العسكرية، وكلتاهما مهارتان كانتا مطلوبتين من الحكام الأرغيين منذ نشأة المملكة الصغيرة. شارك الملوك المقدونيون قبل زمن فيليب في مفاوضات وأبرموا معاهدات وتحالفات بأسمائهم، ويوجد نقش يتناول المعاهدة المبرمة بين بيرديكاس الثاني والأثينيين يقول: «الآن بموجب العهود والمواثيق التي تلزم بيرديكاس هذا نفسه والملوك الحاضرين مع بيرديكاس ...» وفيما بعد: «اتفق أمينتاس بن أريدايوس والخالكيذيكيون على أن يكون كل منهما حليفا للآخر ضد الجميع لمدة خمسين سنة». ودخل فيليب في أحلاف مماثلة منذ سنواته الأولى على العرش. لا ريب أن الملك كان الممثل الطبيعي لمملكته، ويفترض أنه كان يتصرف بما يخدم مصالح المقدونيين ورفاههم؛ لكن على ما يبدو لم تكن هناك هيئة رسمية غير الملك ترتب مثل هذه المفاوضات؛ ومن ثم كانت هذه السمة من سمات الحكم على ما يبدو امتيازا ملكيا. الأهمية المتزايدة لتقوية التحالفات الجديدة من خلال الزواج عنصر آخر من عناصر الدبلوماسية المقدونية التي اقتصرت فيما يبدو على الحكام الأرغيين؛ وفي ضوء هذا يمكن - ولو جزئيا على الأقل - إدراك الغرض من معظم زيجات فيليب السبع، إن لم يكن فيها كلها. علاوة على ذلك، فإن عدد زيجاته أمارة تنم عن دور مقدون المتنامي بسرعة في محيطها الأكبر، وهو شمال شرق منطقة البحر المتوسط.
بالإضافة إلى المهارات الدبلوماسية واكتساب المناصب الرسمية، كانت هناك سمة أخرى مفيدة يتسم بها الملك الناجح؛ وهي القدرة على المكر. وتشير الروايات إلى أن فيليب كان بارعا بشدة في الحيل؛ إذ كان يستعمل على سبيل المثال رسائل خداعية لكي يعترضها العدو. فلاكتساب موقع مميز لخيالته في المعركة التي وقعت أخيرا في سهل خيرونية سنة 338، «سمح» بأن يعترض العدو الإغريقي كتابا بعث به إلى قواته؛ إذ كشفت المعلومات التي جاءت في الكتاب عن أنه يوشك على الانسحاب من موقعه الحالي ، وبتلقي هذه الأخبار السعيدة، تراخت قوات العدو، وفي تلك الليلة ذاتها، اقتحم فيليب وجنوده فرجة ضيقة بين الجبال للاستحواذ على الموقع المنشود. وكان قد أرسل كتابا خداعيا آخر في السنة السابقة عندما سيق أسطوله إلى البحر الأسود، وشلت حركته هناك على أيدي الأسطول المعادي، فساعدت التعليمات التي جاءت في الرسالة على إلهاء قادة أسطول العدو بما يكفي لتتمكن السفن المقدونية من الإفلات. كان فيليب بارعا أيضا في إثارة الفرقة بين أعدائه، وفي دعم الجماعات المؤيدة للمقدونيين في اليونان. وكانت التكتيكات الأخرى تسير جنبا إلى جنب مع القوة العسكرية، وتعززها.
سمح مزيج من هذه المهارات لفيليب بإضافة مناصب رسمية أخرى إلى جانب ملك مقدونيا؛ إذ صار «تاجوس» تيساليا سنة 352، وهو منصب موثق منذ القرن السادس عشر، ويمكن تعريفه بأنه وسيلة للجمع بين مناطق تيساليا الأربعة، التي تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلال، في عمل تعاوني في المواقف التي تتطلب قوة أكبر مما يمكن لمنطقة منفردة حشده. ونرجح أنه كان يجري في البداية انتخاب تاجوس «فيدرالي» للحالات الطارئة المؤقتة فقط، لكن قيام تحالفات أكبر في اليونان بوجه عام في القرنين الخامس والرابع حول هذا المنصب إلى منصب دائم. وفر منصب تاجوس في يدي فيليب الأساس اللازم لعملية إعادة تنظيم تيساليا سنة 344. وجلبت التسوية المقدونية للحرب بين دول وسط اليونان سنة 346 معها منصبا رسميا آخر للملك المقدوني؛ إذ منح فيليب لدى هزيمته دولة فوكيس المارقة الصوتين اللذين تتمتع بهما في المجلس المؤلف من 12 عضوا المشرف على أمن دلفي. وجهت إليه أيضا الدعوة لتنظيم دورة الألعاب البيثية الجديدة، وشرع في إنشاء نصب فيليبون داخل حرم أوليمبيا. وزيادة على حماية الموقع المقدس، كان بوسع أعضاء المجلس القيام بعمل منسق للحفاظ على أمنه.
غير أن الأكثر إثارة للإعجاب كان إنشاء فيليب حلفا جديدا باسم الحلف الكورنثي مع توليه شخصيا منصب زعيم الحلف أو قائده الأعلى. كان هذا الحلف، الذي جاء في أعقاب الانتصار المقدوني في خيرونية سنة 338، أحد مظاهر السلطة المقدونية على الدول الإغريقية، وكان أيضا محاولة لإنشاء نظام جديد داخل اليونان تكون مقدون وملكها جزءا لا يتجزأ منه. كان ترتيب تسويات مع الدول الإغريقية منفردة خطوة أولى حتمية؛ فرسمت حدود هذه الدول، ربما بمساعدة أرسطو وتلاميذ مدرسته، للقضاء على واحد من أهم أسباب الشقاق في اليونان. وفي إطار عملية تحديد رقعة كل دولة ومكانتها، كافأ فيليب بعضها وعامل بعضها الآخر بقسوة على أساس علاقاتها السابقة مع مقدونيا، فأقيمت حامية في طيبة على سبيل المثال، أما الأيتوليون فأعطوا موقع نافباكتوس الاستراتيجي على الخليجي الكورنثي، وعوملت أثينا بسخاء على الرغم من دورها القيادي في الصراع ضد فيليب، وأما إسبرطة فجرى تجاهلها أساسا. على نحو ما سنبين فيما بعد، كان فيليب على دراية بعقد المعاهدات في العالم الإغريقي، والحقيقة أنه كان بالفعل طرفا في العديد من التحالفات، ومنها الحلف الأمفكتيوني الدلفي العريق، ومعاهدة الهجوم والدفاع المشترك مع الحلف الخالكيذيكي، واتفاقية السلام المشترك بين فيليب وحلفائه وأثينا وحلفائها المعروفة باسم «سلام فيلوكراتيس». واستخدم فيليب هذه الممارسات المألوفة في بناء حلفه الجديد الذي جمع بين معاهدة للسلام المشترك ومعاهدة للهجوم والدفاع المشترك.
بعد التوصل إلى اتفاقات فردية، أنشئ مجلس حاكم يتألف من مندوبي الدول المتحالفة، وكانت تتخذ قرارات بشأن العمل المشترك في المجلس، الذي كان يقوم أيضا بدور محكمة التحكيم في النزاعات ويتخذ إجراء ضد من ينتهك مراسيم الحلف، وكان زعيمه فيليب يجمع بين منصبي المسئول الأول والقائد الأعلى للقوات المسلحة. التقى مندوبو الدول الأعضاء في كورنثة لحضور مؤتمر في شتاء 338 / 387، ومن بين كل الدول الكبرى لم ترسل إسبرطة مندوبين عنها. وأعلن فيليب عن اتفاقية سلام مشترك تضمنها مقدون. وإدراكا للحاجة إلى قوة للحفاظ على السلام، تأسس مجلس مؤلف من ممثلين من جميع الدول الأعضاء، وكانت الأصوات تخصص تبعا لقوة الدولة العسكرية. ويوجد نقش وصل إلى أيدينا (تود، الطبعة الثانية، 177، 17-22) يصف القسم الذي يؤديه الأعضاء: «إذا تصرف أحد بطريقة تناقض الاتفاقيات، سأقدم مساعدة عسكرية على النحو الذي يحتاج إليه المتضرر، وسأخوض الحرب ضد منتهك معاهدة السلام المشترك على النحو الذي يقتضيه المجلس العام ويأمر به القائد الأعلى.» وهكذا كان الحلف أيضا حلفا للهجوم والدفاع المشترك، ويتولى فيليب باعتباره قائده الأعلى حشد قوة مناسبة لأداء المهمة. كانت الاتفاقية تشتمل أيضا على الاعتراف بالتسويات الفردية التي رتب لها فيليب في أعقاب انتصاره في خيرونية، وهي ترسيم الحدود وتحديد الهيكل السياسي لكل دولة داخل هذه الحدود. كانت هذه الشروط تسري على مقدون كما تسري على اليونان، وهكذا ضمن ملك فيليب وذريته مستقبلا مثلما ضمنت دساتير الدول اليونانية، وعين مسئولون مخصوصون - ربما اختيروا من بين أعضاء المجلس العام - لترصد انتهاكات هذه الاتفاقيات.
Page inconnue