Le monde d'Alexandre le Grand
عالم الإسكندر الأكبر
Genres
في الوقت نفسه أيقنت بعض الدول-المدن الإغريقية أن قوة الجيش المقدوني يمكن أن تكون أداة تستعمل نيابة عنها، فينصر قضية طرف من الأطراف في الحروب التي لا تنتهي أبدا بين هذه الدول. وفي مطلع الأربعينيات جرت أرجل الجيش المقدوني إلى الحرب الأهلية الإغريقية في وسط اليونان بدعوته إلى خوضها؛ دارت رحى هذه الحرب المعروفة باسم «الحرب المقدسة» بين أعضاء الكيان العريق المسمى الحلف الأمفكتيوني الدلفي، وهم حماة حمى موقع دلفي المقدس؛ إذ أقدمت المشاة الثقيلة التابعة لدولة فوكيس، بمساعدة من مرتزقة، على الاستيلاء على دلفي وكنوزه سنة 356 ردا على غرامة باهظة فرضها أعضاء الحلف الأمفكتيوني الآخرون؛ مما أشعل فتيل حرب في عموم وسط اليونان دامت عقدا من الزمن. أتت الدعوة التي تلقاها فيليب للمساعدة على التعامل مع الدولة الآثمة بالجيش المقدوني إلى وسط اليونان سنة 347، وفي العام التالي استسلمت فوكيس؛ فاكتسب المنتصر، وهو فيليب، دورا رسميا في الشئون الإغريقية من خلال عضويته في مجلس الأمفكتيونية الدلفية العريق.
وجه فيليب خلال ما تبقى من ذلك العقد اهتمامه إلى إليريا من جديد، فشن حملة ضد الملك الإليري، ورتب لتسوية سياسية في تيساليا، وقاد جيشه إلى إبيروس في الغرب وتراقيا في الشرق، زاحفا إلى سكيثيا، ودخل في أحلاف جديدة كالاتفاق الذي أبرمه مع ملك جيتاي، وأسس مستعمرات جديدة. توافد السفراء من جنوب اليونان للتفاوض على اتفاقيات، ودعيت ميسينيا وميجالوبوليس في بيلوبونيز، كمثال، إلى الانضمام إلى الحلف الأمفكتيوني الدلفي بجانب الدول الإغريقية الأخرى وفيليب.
لكن فيليب جد في الوقت نفسه لتقوية الوجود المقدوني في البحر الأسود، فضرب سنة 340 حصارا على بيرينثوس وسيليبريا، وهما اثنتان من الدول-المدن الإغريقية المجاورة لبيزنطية، التي لم تنج هي ذاتها من هجماته. أعلنت أثينا الحرب وطفقت تمارس الضغط لدى الإغريق الآخرين لاتخاذ موقف منسق ضد مقدونيا. وعندما اشتعل فتيل القتال في وسط اليونان من جديد في مطلع الثلاثينيات، قاد فيليب جنوده المقدونيين عائدا إلى اليونان بصفته ملك مقدونيا ومسئولا إغريقيا في المجلس الأمفكتيوني الدلفي على حد سواء. فتزعم الأثينيون - إيمانا منهم بأن أهداف فيليب تتجاوز مجرد إلحاق هزيمة بدولة واحدة صغيرة نسبيا - تشكيل ائتلاف برئاسة أثينا وطيبة بالإضافة إلى الوابيين والآخيين والكورنثيين والميغاريين والليفكاديين والكوركيريين، فالتقى جيشان متقاربان في العدد قوامهما بين 30 ألف رجل و35 ألفا، أحدهما إغريقي والآخر مقدوني، في سهل خيرونية وسط اليونان في صيف 338.
كان النصر المقدوني حاسما بما يتجاوز حدود النتيجة العسكرية؛ إذ أتاح لفيليب إعادة تنظيم طبيعة الحكم في اليونان، فأبرم أولا معاهدات رسمية مع أعدائه في خيرونية تبعا لتاريخ علاقاتهم المختلفة مع مقدونيا، وأقام حاميات في بعض هذه الدول كطيبة، وعمد إلى تغيير الحكومات في بعضها الآخر، ومنح بعضها الثالث استقلالا اسميا كأثينا. ثم اتجه فيليب إلى التسويات السياسية الطويلة الأجل، فمهدت الترتيبات مع الدول والمناطق المنفردة الساحة لتنظيم جماعي جديد لليونان. وحددت الحدود بين الدول استنادا إلى أسس يقال إن أرسطو أعدها لفيليب، فتسنى إزالة دواعي الحرب بين هذه الدول في ظل وجود حدود معترف بها. يتساوى مع هذا في دلالته التوازن الدقيق الذي أقيم ؛ إذ أضعفت القوى الكبرى وقويت الدول الضعيفة؛ وعندئذ اتحدت كل هذه الدول، كبيرها وصغيرها، في حلف جديد يسمى الحلف الكورنثي، وكان حلفا هجوميا ودفاعيا على السواء. وبهذا ستظل الدول تتمتع بالاستقلال الذاتي، لكن مع القضاء على الصراعات على السلطة التي شهدها القرنان السابقان؛ إذ سيتشكل مجلس عام يشارك فيه مندوبون عن كل عضو في الحلف يتوقف عددهم على أهمية دولتهم، وسيكون فيليب القائد الأعلى للحلف. ولضمان القوة العسكرية في مواجهة الأعداء الخارجيين، لم يسمح لمواطني الدول الأعضاء بالخدمة لدى قوة أجنبية ضد فيليب أو الحلف، وهو عنصر كان جوهريا في الحملة الهجومية التي شنت ضد دولة فارس وأرسل فيليب تحضيرا لها قوة متقدمة سنة 336.
إن محصلة معركة خيرونية، عسكريا ودبلوماسيا على السواء، مقارنة بهزيمة الجيش المقدوني بقيادة بيرديكاس أخي فيليب الأكبر على أيدي الإليريين سنة 359؛ لهي من أمارات عبقرية فيليب. ثمة أمارة أخرى على عبقريته تمثلت في توسيع رقعة المملكة التي فاقت 16600 ميل مربع (أكثر من 43 ألف كيلومتر مربع)؛ أي أكثر من مثلي رقعتها في نهاية الحرب البيلوبونيزية. وثمة أمارة ثالثة هي توحيد ما كانت ذات يوم أقاليم مستقلة شديدة التباين تحت قيادة رجل صار آنذاك يحمل العديد من شارات السلطة. (1-4) أسس نجاح فيليب
لم تكن إمكانية التعامل مع التهديدات المستمرة بالغزو والتمرد تتطلب إعادة بناء قدرات القوات المسلحة المقدونية فحسب، بل توسيعها أيضا. كان الجيش الذي ورثه فيليب يشتمل على مشاة وخيالة، وقلنا إن مهارات الفئة الأولى صقلت قبل ذلك بقرن على يد الإسكندر الأول، وأما الفئة الثانية فظلت حكرا على النخبة، لكن قوام أي من الفئتين لم يكن كبيرا. كان بيرديكاس قد فقد 4 آلاف رجل في قتاله ضد الإليريين سنة 359، مما اقتضى من فيليب تعويض تلك الخسارة، بل اقتضى أيضا حشد قوة أكبر استباقا لغزو إليري جديد، واستباقا كذلك للتهديدات النابعة من الشعوب الأخرى المجاورة. وعلى ما يبدو كانت بين يديه سنة 358 قوة قوامها نحو 10 آلاف رجل. وكما رأينا قاد جيشا قوامه بين 30 ألف رجل و35 ألفا في خيرونية سنة 338، وهذه زيادة صارت سهلة المنال مع ضم المزيد من الأقاليم والسكان إلى المملكة المقدونية؛ فمن ذلك الرقم على سبيل المثال، كان عدد خيالته قد ازداد من نحو 600 في بداية حكمه إلى 3 آلاف بنهايته، ويعود بعض الفضل في ذلك إلى نجاحه في تيساليا، الذي أتى بقوة الخيالة اليونانية الأشد فعالية إلى الجيش المقدوني.
ليست الأعداد وحدها هي التي تغيرت في بداية حكم فيليب، بل تغير أيضا التدريب والتنظيم على ما يبدو. لا نستبعد احتمال أنه كان يضع نصب عينيه التغييرات التي سيحدثها، حتى من قبل توليه الملك؛ إذ تزامنت إقامته الجبرية في طيبة مع نجاح تشكيل «الفلنكس» الطيبي بعد إصلاحه في إقامة إمبراطورية مترامية الأطراف. كانت أوجه التشابه واضحة بين جيش فيليب وجيش المشاة الثقيلة الطيبي في القرن الرابع عشر الذي أنشأه بيلوبيداس وإبامينونداس؛ إذ كان أفراد المشاة الثقيلة في كلا الجيشين يحملون حربة أطول لكن يحملون درعا أخف من المشاة الثقيلة التقليدية، وربما ساعد تخليهم عن أحد دروع منطقة الصدر على جعلهم أسرع وأخف حركة. وأثناء المعارك كانت تتموضع وحدات تتراوح بين 250 و300 رجل على هيئة صفوف بعمق 16 رجلا. وكانت لقوات النخبة أهميتها في التشكيلات الطيبية والمقدونية على السواء؛ ففي طيبة كانت «العصابة المقدسة»، المؤلفة من 150 زوجا من الذكور المتحابين، تشكل وحدة من القوات الخاصة، وأما في مقدون فكانت قوات مشاة النخبة تتألف من 3 آلاف جندي مشاة ملكي. وبالإضافة إلى الابتكارات التي سبق أن رآها فيليب في سني مراهقته وهو رهينة في طيبة، استخدم عناصر أخرى موروثة بأساليب جديدة؛ إذ كان ينشر أفضل الجنود في الجناح الأيسر، ويحميهم بالخيالة على الجنب، وتوسع في استخدام المشاة الخفيفة (رماة السهام ورماة المقاليع والمناوشون) مع استخدامه أيضا بعض الخيالة ككشافة.
هناك شواهد على تشجيعه الترقي في مراتب الجندية من خلال الحوافز؛ إذ كان الترقي من جندي مشاة عادي إلى جندي مدرع (أحد حراس الملك المدرعين) مثلا يجلب راتبا أكبر وشرفا أعظم. كان الحافز الآخر هو قيادة الملك جيشه بنفسه في الميدان ، فتلك كانت مسئولية لا تفوض إلى الغير، لكن ازدياد الانخراط في أعمال عسكرية في اتجاهات مختلفة اقتضى إسناد بعض السلطة في ساحة القتال إلى معاونين. كانت الرابطة الثنائية بين جنود المشاة والملك تحقق غاية سياسية وتلبي حاجة عسكرية في آن واحد؛ إذ ورث فيليب - شأنه شأن جميع الملوك المقدونيين - هيكلا اجتماعيا اقتصاديا تتمتع فيه الأسر الأرستقراطية بجانب السلالة الأرغية بمنزلة وثروة كبيرتين. كان يحق لعمداء تلك الأسر، وخصوصا في أقاليم مقدونيا العليا التي كانت ذات يوم ممالك مستقلة، المطالبة بمنزلة تضاهي منزلة الملك الأرغي، وكان الظفر بتعاون هؤلاء الشخصيات مهمة تتطلب جهدا عظيما لم يتسن لكثير من الملوك الأرغيين إنجازها، وذلك على نحو ما يكشف لنا حكم أمينتاس الثالث أبي فيليب. ومن الجائز تماما أن زيادة فيليب عدد الجنود المشاة ورفعه مكانتهم كانا عنصري تعزيز للسلطة الملكية في مواجهة تطاول الأرستقراطيين.
وربما اكتسب فيليب وسيلة أخرى لبناء قاعدة دعم ملكية تقوم على أصحاب المناصب القيادية في ظل إضافة أراض جديدة إلى المملكة المقدونية؛ إذ قال بعض الباحثين إن الأراضي المفتوحة صارت أرضا ملكية يمنح الأفراد إمكانية استخدامها في مقابل أداء التزامات عينية، وكان هذا يقينا منظور الإسكندر الثالث وخلفائه. وتوجد شواهد على منح الأراضي بغرض اجتذاب الأجانب الراغبين في الاحتراف في الجيش - مثل نيارخوس الكريتي - إلى مقدونيا. لكن لم يكن جميع صحابة فيليب وضباطه من المستجدين، بل ظل يعتمد، مضطرا، على عمداء الأسر النبيلة لتولي المسئوليات الكبيرة. وتتضح حقيقة أنهم أحسنوا خدمته في مقابل حوافز مماثلة للمستجدين من بقائهم حتى صاروا أنصارا للإسكندر، ثم صاروا بعد ذلك مباشرة من رجالات الإسكندر لدى موت فيليب.
عززت الأراضي المكتسبة حديثا قاعدة موارد فيليب من نواح أخرى مهمة؛ إذ أضافت إلى المملكة مزيدا من السكان والمواشي والموارد الطبيعية، وتسنى استخدام الأرض المكتسبة لتأسيس أو إعادة تأسيس مستوطنات بالقرب من الموارد الثمينة لتوفير الرقابة عليها والعمال لاستغلالها. كما كان للمستوطنات الجديدة للمقدونيين ميزة إضافية أيضا بوصفها مراكز ولاء في أقاليم لم تكن من قبل مقدونية. في زمن مبكر وذلك سنة 356، دمج فيليب مستوطنات عدة لإنشاء مدينة فيليبوي في شمال بحر إيجة، غرب الأملاك التراقية مباشرة. كانت المعادن الخام المستخرجة من منطقة جبل بانجايو تدر 1000 وزنة كل سنة للخزانة الملكية، وأما المستوطنة نفسها فكانت بمنزلة دعاية للوجود المقدوني في المنطقة التي كانت آنذاك غير مأهولة بين مقدون وتراقيا. وعندما شن المقدونيون غارات على الأراضي التراقية ذاتها، أقيمت حاميات في المناطق النائية، وصارت المستوطنات الكائنة في بيروي وفيليبوبوليس مراكز سيطرة ونفوذ مقدونية مهمة. بعد ثلاث سنوات أو أربع من إنشاء فيليبوي الأولى، تمخضت أنشطة فيليب في تيساليا عن المستعمرة الكائنة في جومفوي، التي غير اسمها إلى فيليبوي أو فيليبوبوليس. وفي اتجاه الغرب أيضا، زرعت حصون عسكرية في الممرات الجبلية. وإدراكا من فيليب لقيمة المستعمرات من خلال وجود مستعمرات إغريقية في المنطقة المتاخمة للمملكة مباشرة، استولى على المستوطنات القديمة لأغراض مماثلة. ومع استيعاب نجاحاته للمستوطنات الإغريقية الكائنة على الساحل المقدوني في شبه جزيرة خالكيذيكي، صار فيليب حرا في مزاولة التجارة البحرية مباشرة دون الاستعانة بوسطاء، وباستحواذه على المرافئ أضاف رسوم مرافئ إلى خزانته.
Page inconnue