قال «بحيرى»: إنك لتعلم لماذا تركت هذا الدير منذ عهد بعيد، ولماذا أمعنت في الصحراء حتى اتخذت صومعتي في أقرب مكان من هذه البلاد التي حدثتنا عنها بالأعاجيب. لقد أقمت في هذه الصومعة كما تعلم، أنتظر من أنباء تلك البلاد ما كنت تنتظر، وأترقب من أخبارها ما كنت تترقب. وإنك لم تكذبني فيما نقلت إليك من أحاديث الناس عما حدث في تلك البلاد بعدك من أحداث، يرونها ولا يفهمونها، ويتناقلونها ولا يستطيعون لها تفسيرا، ولكنهم إذا رأوا منها شيئا أو سمعوا من أخبارها طرفا ثم أعياهم الفهم والتأويل، قالوا: إن لهذا شأنا.
ولقد كنت أحدثك بما أسمع من الأعاجيب، فكنت تقول وكنت أقول معك كما يقول هؤلاء الناس: إن لهذا كله لشأنا. ولكنك أنت كنت تعلم هذا الشأن. ولكني أنا كنت أعلم هذا الشأن! لأننا نجده عندنا مكتوبا في الكتب. ولأننا نجد علمه عندنا موروثا عن الأحبار والرهبان.
ألسنا ننتظر أن يظهر في تلك البلاد رجل يتم الله على يده ما بدأ من رسالته إلى الناس؟!
قال الراهب الشيخ: بلى!
قال «بحيرى»: فإني أقسم لقد رأيته!
قال الراهب وهو يهز رأسه وقد ظهر على وجهه الشك المؤلم: ما أرى يا بني إلا أنك قد أخطأت أو خدعت! فإن أوان هذه الرسالة لم يأت بعد وإن كان قريبا.
قال «بحيرى»: ومن زعم لك أن أوان هذه الرسالة قد آن؟!
قال الراهب الشيخ: ألم تنبئني أنك قد رأيته؟!
قال: بلى! قد رأيته، أقسم لك رأيته. ولكنه ما زال صبيا لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره المبارك بعد.
قال الراهب وقد أشرق وجهه: أما الآن فعسى أن تكون مصيبا. أستطيع أن أسمع لحديثك. كيف رأيته وكيف عرفته؟
Page inconnue