إذا أتانا رهط ثلاثة معهم طست من ذهب مليء ثلجا، فأخذوني من بين أصحابي، فخرج أصحابي هرابا حتى انتهوا إلى شفير الوادي، ثم أقبلوا على الرهط فقالوا: ما أربكم
4
إلى هذا الغلام فإنه ليس منا، هذا ابن سيد قريش وهو مسترضع فينا من غلام يتيم ليس له أب؟ فماذا يرد عليكم قلته؟ وماذا تصيبون من ذلك؟ ولكن إن كنتم لا بد قاتليه فاختاروا منا أينا شئتم فليأتكم مكانه فاقتلوه، ودعوا هذا الغلام فإنه يتيم.
فلما رأى الصبيان القوم لا يحيرون إليهم جوابا، انطلقوا هرابا مسرعين إلى الحي يؤذنونهم ويستصرخونهم على القوم. فعمد أحدهم فأضجعني على الأرض إضجاعا لطيفا، ثم شق ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي وأنا أنظر إليه لم أجد لذلك مسا، ثم أخرج أحشاء بطني، ثم غسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها، ثم أعادها مكانها. ثم قام الثاني منهم فقال لصاحبه: تنح فنحاه عني، ثم أدخل يده في جوفي فأخرج قلبي، وأنا أنظر إليه، فصدعه، ثم أخرج منه مضغة سوداء فرمى بها، ثم قال بيده
5
يمنة منه كأنه يتناول شيئا، فإذا أنا بخاتم في يده من نور يحار الناظرون دونه، فختم به قلبي فامتلأ نورا، وذلك نور النبوة والحكمة، ثم أعاده مكانه، فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا. ثم قال الثالث لصاحبه: تنح. فتنحى عني، فأمر يده ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي فالتأم ذلك الشق بإذن الله، ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني إنهاضا لطيفا، ثم قال للأول الذي شق بطني: زنه بعشره من أمته، فوزنوني بهم فرجحتهم. ثم قال: زنه بمائة من أمته، فوزنوني بهم فرجحتهم. ثم قال: زنه بألف من أمته، فوزنوني بهم فرجحتهم. فقال: دعوه، فلو وزنتموه بأمته كلها لرجحهم. قال: ثم ضموني إلى صدورهم، وقبلوا رأسي وما بين عيني. ثم قالوا: يا حبيب! لا ترع! إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك.
قال فبينا نحن كذلك إذا أنا بالحي قد جاءوا بحذافيرهم، وإذا أمي - وهي ظئر - أمام الحي تهتف بأعلى صوتها وتقول: يا ضعيفاه! فانكبوا علي فقبلوا رأسي وما بين عيني، فقالوا: حبذا أنت من ضعيف! ثم قالت ظئري: يا وحيداه! فانكبوا علي فضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني، ثم قالوا: حبذا أنت من وحيد! وما أنت بوحيد! إن الله معك وملائكته والمؤمنين من أهل الأرض. ثم قالت ظئري: يا يتيماه! استضعفت من بين أصحابك فقتلت لضعفك! فانكبوا علي فضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني وقالوا حبذا أنت من يتم! ما أكرمك على الله! لو تعلم ماذا يراد بك من الخير! فوصلوا بي إلى شفير الوادي. فلما بصرت بي أمي، وهي ظئري، قالت: يا بني ألا أراك حيا بعد! فجاءت حتى انكبت علي وضمتني إلى صدرها. فوالذي نفسي بيده إني لفي حجرها وقد ضمتني إليها، وإن يدي في يعد بعضهم، فجعلت ألتفت إليهم، وظننت أن القوم يبصرونهم، فإذا هم لا يبصرونهم. يقول بعض القوم: إن هذا الغلام قد أصابه لمم
6
أو طائف من الجن، فانطلقوا به إلى كاهننا حتى ينظر إليه ويداويه. فقلت: يا هذا، ما بي شيء مما تذكر؛ إن إرادتي سليمة وفؤادي صحيح ليس بي قلبة.
7
Page inconnue