Sur les marges de la biographie

Taha Hussein d. 1392 AH
180

Sur les marges de la biographie

على هامش السيرة

Genres

قال الفتى: «حسبك يا أماه فقد سمعت! وسأنظر في أمري. ولكن ارتحلي؛ فليست هذه المدينة لك بدار.» قالت أسماء: «سأرتحل يا بني عنك كما ارتحلت عن أبيك.» قال الفتى: «سيكون وداعك لي قصيرا، كما كان وداعك لأبي قصيرا.»

ومضى عام وبعض عام وإذا أعرابي من جند المسلمين يسأل في دمشق عن امرأة يهودية تعرف بأم كعب أسماء زوج مخيريق، ويكفلها يهودي شيخ هاجر معها من أطراف الشام حين أغار المسلمون على هذه الأرض. وقد جد حارث بن الحباب السلمي في البحث عن هذه المرأة واستقصاء أمرها؛ حتى إذا اهتدى إلى دارها وأدخل إليها ذات ضحى، قال لها في لهجته الحجازية البدوية: «أبشري يا أمة الله فقد كتب الله لابنك الشهادة كما كتبها لأبيه مخيريق!»

سمعت أسماء لهذا الأعرابي فلم تعبس ولم تبسم، ولم تنهمر من عينها عبرة، ولم يظهر على وجهها حزن، وإنما قالت: «إنا لله وإنا إليه راجعون!»

الفصل التاسع

طبيب النفوس

«أين الناضرة؟ علي بالناضرة. ردوا علي الناضرة.» وكان صفوان بن أمية يقول هذا في صوت تظهر فيه الحدة والغضب، ويظهر فيه السخر والضحك معا. وكان يقول هذا وهو يرمي إلى قيم داره بنظرات كأنهن قطع النار، حتى أخاف القيم وملأ قلبه روعا وهولا، فقام مبهوتا لا يدري ماذا يصنع ولا يعرف كيف يجيب. وكان يقول هذا وقد أخذ بيد صديقه الحارث بن هشام يجذبه إليه جذبا عنيفا لا رفق فيه، ويضطره إلى المجلس الذي أراده على أن يجلس فيه، لا يلتفت إليه ولا يسمع له، كأنما يجذب شيئا لا رأي له ولا إرادة. فلما طال عليه وجوم القيم أقبل عليه منذرا لا يكاد يخفي حنقه وهو يقول: «ألم أسألك عن الناضرة! ألم أطلب إليك الناضرة؟! أفي أذنيك وقر! أتحولت صخرا لا يسمع ولا يجيب؟» قال القيم في صوت مضطرب وبلسان متلجلج: «فإن الناضرة في حيث أمر مولاي أن تكون من الحبس، وعليها ما أمر مولاي أن يكون عليها من الأغلال منذ غنت ذلك الصوت.» قال صفوان متضاحكا لا يكاد يهدأ غضبه: «وقد ضربتها الأسواط التي أمرك مولاك أن تضربها في كل يوم إذا أصبحت، وكنت تتهيأ لتغديها بالأسواط التي أمرك مولاك أن تغذيها بها في كل يوم إذا مالت الشمس إلى الزوال؛ فإني أريد الآن أن أضعك مكانها وأجعل عليك أغلالها، وأرد إليك السياط التي قدمتها إليها منذ أمرتك ذلك الأمر المحنق. اذهب فأخرج الناضرة من حبسها، وضع عنها أغلالها، وأقبل علي بها مكرمة موفورة، وأسرع في ذلك ولا تبطئ، فإني أخشى أن يجر عليك الإبطاء شرا عظيما.» قال ذلك ثم تحول عن مولاه إلى صديقه الحارث بن هشام وهو يقول: «ما رأيت أحدا بلغ به الحمق ما بلغ بهذا الغلام.»

قال الحارث وهو يتكلف الابتسام: «بل ما رأيت أحدا بلغ به الغيظ ما بلغ بك أيها الصديق. إنك لتكلف هذا الفتى من أمره شططا، تأمره أن يحبس هذه الجارية وأن يعذبها، ثم لا تظهر له أنك غيرت رأيك فيما أردت من حبسها وتعذيبها، ثم تلومه الآن لأنه أمضى ما أردت ولم يخالف عن أمرك!»

قال صفوان: «فإنه يزعم أنه ذكي لبق، وأنه يعرف ما لا يعرف، ويسبق إلى فهم الأشياء، وهو قد رأى ما نرى وسمع ما نسمع وأحس ما نحس، وعلم أن كل شيء من حولنا يتغير، وأن كل سلطان من حولنا يزول: فقد كان من الحق عليه أن يعلم أن لم يبق لنا على الناضرة حبس ولا تعذيب.»

قال الحارث وقد انجلى عنه ما كان يغمر وجهه من الحزن، وابتسم ثغره عن ابتهاج صريح: «نعم! وقد كان ينبغي أن يعلم أن ليس لك عليه أمر ولا نهي، وأنك لا تملك أن تلومه ولا أن تعنف عليه. وقد كان ينبغي أن يدع دارك هذه وما فيها ومن فيها، وأن يمضي إلى حيث يلقى حريته وأمنه ورجولته كاملة ثم يعود إليك متسلطا ظافرا، فيصدر إليك من الأمر ما يصدر الغالب إلى المغلوب.»

قال صفوان وقد ثابت إليه نفسه واطمأن قلبه بين جنبيه: «نعم! هو ما تقول. لقد رأيت اليوم ما أخرجني عن طوري. وإن أعجب لشيء فإنما أعجب لهدوئك واستقرار نفسك، واطمئنانك إلى ما يقع حولك من الأحداث.»

Page inconnue