Devant la porte de Zuwayla
على باب زويلة
Genres
وبدا الاهتمام في وجه طومان، وسأل شيخه: تعني يا سيدنا أن وراء مظهره ذلك حقيقة خبيثة!
قال الشيخ مستغفرا: معاذ الله! ولكنه على صلاحه وتحرجه لا يسلم من بوادر الغضب، وأحسب أن له ماضيا يجتهد لإخفائه أو لنسيانه؛ فإن له أحيانا سبحات خيالية تتراءى في عينيه بعض صورها ثم يمحوها الدمع ... وإنه أحيانا ليحب أن يأكل لحم بعض الناس ...
قال طومان: أما هذا فنعم، وقد تحدث إلي مرة فلم يتحرج أمامي أن يذكر عمي قنصوه بما يسوءني، ولكنه رجل منكوب فليس عليه حرج أن يسخط حظه، وأن يجري على لسانه بعض ما يكره الناس.
وغادر طومان مجلس الشيخ كما دخله، لم يتفرج من همه أو يتخفف من أثقاله، فإنه لفي بعض الطريق وقد جاوز الرملة إذ وافق خاير بك خارجا من دار أقبردي يوفض في السير عجلان.
ولأول مرة منذ افترقا في خان مسعود بحلب قبل اثنتي عشرة سنة التقى خاير بك وطومان، وكان لقاؤهما عند دار مصرباي الجركسية، في مثل موقفهما ذات صباح هناك، أما طومان فقد عرف صاحبه كأن لم يفارقه إلا منذ اليوم، وأما خاير فأنكر ذلك الوجه. لقد كان طومان في ذلك الماضي غلاما أمرد نحيل البدن، وإنه اليوم لشاب قد بلغ مبلغه من النضج والقوة، وهتف طومان وقد مد يده باسما: أفلست تعرفني يا خاير؟ إنني أنا طومان ...
وعاد الزمان القهقرى فرد الرجلين إلى ذلك الماضي برهة، ثم عاد كل منهما إلى مكانته، وجاوبت ابتسامة أختها وتعارفا، ثم تدابرا، ومضى كل منهما يفكر في شأن صاحبه، أما خاير فتذكر تلك الكلمة التي قالها له طومان في ذلك الصباح البعيد على باب الغرفة التي تجلس وراءها مصرباي: اذهب حيث تشاء فلا بد أن نلتقي يوما!
فانقبضت نفسه لهذه الذكرى، وركبه الهم وتوزعه القلق، وأما طومان فلم يتمثل في تلك اللحظة إلا مصرباي جالسة بين يدي أستاذها جقمق في غرفته من خان مسعود بحلب، وفي وجهها أمارات القلق واللهفة، وخاير بن ملباي يتمشى ثقيل الخطو عند باب الغرفة، ثم عاد يتمثلها في قصرها هذا الأنيق جالسة بين يدي مواشطها، تتهيأ لاستقبال ذلك الضيف ... فانقبضت نفسه لهذه الصورة أكثر مما انقبضت نفس صاحبه ذاك لتلك الكلمة التي لفظتها شفتا طومان منذ سنين.
وضاق طومان بهمه، وازدحمت عليه الخواطر المؤلمة تدفعه من حال إلى حال شر منها، فاتخذ طريقه إلى شمال المدينة يلتمس فرجة في الخلاء عند بساتين قبة يشبك، فلما انتهى إلى حيث أراد، ترجل عن فرسه ودخل القبة فصلى صلاته، ثم خرج إلى البساتين النضرة راجلا يجتلي بهجة النفس، وقرة العين في مناظرها الفاتنة.
ثم عاد إلى فرسه فشد لجامها ووضع رجله في الركاب، وتأهب للعودة إلى دار عمه، وفجأة قفزت إلى خاطره صورة أرقم، ذلك المسيخ المنكوب الذي اصطلحت عليه هموم الدنيا فليس له نصيب من سعادتها، فود لو لقيه في تلك الساعة؛ ليخفف عنه بعض ما يلقى من أنكاد الحياة، ويحاول أن يصلح بينه وبين شيخه. وعجب طومان لنفسه، ماذا أذكره أرقم في تلك الساعة وأحضر في خياله صورته تلك، وإنها لبغيضة المنظر إلى جميع من يراه؟!
ولو أن طومان حين سأل نفسه هذا السؤال قد مد عينيه إلى قريب، لرأى أرقم جالسا في ظل سرحة فينانة، وبين يديه منديل مبسوط قد فرش عليه رمل أصفر، وراحت أصابعه تخط عليه خطوطا متوازية ومتقاطعة، وأحاط به حلقة من الناس يستنبئونه الغيب ...
Page inconnue