Devant la porte de Zuwayla
على باب زويلة
Genres
واتخذ الجيش طريقه إلى الشام وعلى رأسه الدوادار طومان باي، وودعته القاهرة كلها هاتفة داعية، وودعه السلطان جانبلاط إلى حدود المدينة. وبلغ الجيش الشام، والتقى طومان باي وقصروه، ولكنهما لم يقتتلا؛ لأن الدوادار طومان باي لم يخرج لقتال، وإنما خرج لأمر آخر قد أعد له عدته وجمع أسبابه، فما هي إلا أن لقي صديقه قصروه العاصي حتى أخذا في تدبير الخطة لتنفيذ ما كان مبيتا من الأمر ...
واجتمع أمراء العسكرين على خلع السلطان الأشرف جانبلاط، ومبايعة «العادل» طومان باي. واستعلن الدوادار بنيته المبيتة، وبايعه الجند والقادة، وبايعه قصروه نائب الشام، وعاد الجيش إلى القاهرة يقدمه السلطان الجديد، وشق العادل طومان باي القاهرة في موكب حافل إلى القلعة؛ لينزل جانبلاط عن العرش ويجلس مكانه، ويحقق أمنية لنفسه ولصاحبته فاطمة بنت العلاء.
وكان في حاشيته كبير أمنائه قصروه، ودواداره الكبير قنصوه الغوري!
ومضى الجند بالأشرف جانبلاط أسيرا إلى برج الإسكندرية، حيث يؤنس وحشة سلفه الظاهر قنصوه في معتقله من ذلك البرج الحصين.
وصعدت خوند فاطمة بنت العلاء ثانية إلى العرش، وقد وفى لها صاحبها بما وعد، وكان لها زفة سلطانية لم ير الراءون مثلها، فبسطت على الأرض شقق الحرير، وأضيئت في الطيقان القناديل على طول الطريق من قنطرة سنقر إلى قصر السلطان بالقلعة، ونثرت على رأسها رقائق الذهب والفضة ... وعادت سلطانة كما تمنت على صاحبها ذات مساء. ونزلت أصل باي عن العرش الذي عاشت في ظله منذ عهد مولاها قايتباي، وولدها الناصر، وأخيها الظاهر، وزوجها الأشرف جانبلاط؛ لتعيش في دارها الصغيرة عند بركة الفيل، ليس لها من عمل إلا أن تسترجع ذكريات ذلك الماضي الذي كان ... ثم تبكي حتى تشرق بالدمع!
على أن السلطان لم يترك أصل باي لأحزانها، فقد انقض عليها زبانيته ذات يوم يسألونها أن تدفع إليهم ما عندها من مال السلاطين الأربعة، فلم يتركوها حتى وثقوا أن لم يبق عندها أبيض ولا أصفر ... ثم لم تلبث طويلا بعد هذه النكبة التي أصابتها في مالها، حتى جاءها النبأ بمقتل زوجها جانبلاط في معتقله من ذلك البرج، بتدبير العادل طومان باي!
الفصل السادس عشر
نداء القلب
كان الشتاء في أخرياته، وقد غمرت القاهرة موجة من البرد لم تشهد مثلها منذ سنين، وعصفت الرياح عصفا عنيفا يكاد يهدم الدور ويقتلع الشجر، فأغلقت المتاجر، وخلت الأسواق من المشترين والباعة، وأوى الناس إلى بيوتهم يعتصمون بها من عصف الريح وقرس البرد، وأسدلت الستور على الشرفات والطيقان، فلا ينفذ منها إلى الطريق بصيص من النور، فما أتى الليل حتى خلت طرق المدينة من المارة وغطاها الظلام، فلا خفقة نعل ولا شعاعة نور ...
وفي هذه الليلة الليلاء، في هذا الظلام الدامس، في ذلك البرد القارس، في ذلك السكون الرهيب، كان فتى في زي المماليك يمشي على حيد الطريق حذرا يتلفت، فما كان يبلغ دار أقبردي الدوادار حتى انعطف عليه وقصد الباب، وكأنما كان ثمة من ينتظره على ميعاد، فلم يكد يقترب حتى انفتح الباب بخفة ثم أغلق، وغاب الفتى في ضمير الظلماء ...
Page inconnue