Devant la porte de Zuwayla
على باب زويلة
Genres
خرج الدوادار الثاني طومان باي من حلبة الكرة في الحوش السلطاني، وعلى عينيه غشاوة من الغضب، كيف يضربه السلطان الناصر بصولجانه - مرة، وثانية، وثالثة - على مشهد من الأمراء ومماليك الخاصة وهو الدوادار الثاني، فلولا أن قنصوه الخال هو الدوادار الكبير، لكانت السلطات كلها في يده ... كيف يجرؤ ذلك الصبي العابث على هذه الكبيرة؟ إن قايتباي العظيم لم يكن ليجرؤ على مثلها ... وثارت شياطين الشر في رأسه فأقسم أن ينتقم ... ومضى يدبر لأمره!
وأظله الليل ولم يزل يفكر في أمره، فلما مد الظلام رواقه، قام إلى مرآته فأصلح شأنه وأخذ زينته، ومضى إلى دار خوند فاطمة بنت العلاء - أرملة السلطان قايتباي - على قنطرة سنقر، وكانت في مجلسها بالشرفة ترقب الطريق من وراء السجف في انتظار مقدمه في لهفة وقلق ... هذه التي كانت يوما ما سلطانة على عرش مصر، يخضع لها الملايين ويقبلون لها الأرض، تكاد اليوم من لهفتها إلى لقاء ذلك الأمير تقبل الأرض لمن يأتيها ببشرى قدومه ... ذلك الأمير الذي كان منذ قريب رقيقا من مماليك زوجها الذي مات: الأشرف قايتباي! فإنها لفي هذا المجلس تنتظره منذ ساعات، قد ذهب بها الفكر مذاهبه، وتقسمتها الهواجس والأوهام، تخشى أن يكون قد استأثر به الغضب لتلك الكلمة العابرة التي لفظتها شفتاها في آخر لقاء كان بينهما منذ أيام، وإنه لذو أنفة وكبرياء كأنه من أبناء السلاطين!
ماذا قالت له؟ وماذا عليها في تلك الكلمة التي تجري على كل لسان؟! لقد كانت زوجة لقايتباي، وكان لها ذات يوم ولد منه يؤهلانه لوراثة العرش بعد أبيه، ولم تكن أصل باي يومئذ إلا جارية من جواري السلطان، لا يحفل بها أحد، ولا تأمل أن تصير يوما شيئا أكثر من جارية من جواري السلطان، ولكن القدر الذي يصنع العجائب قد هيأ لها هذه المنزلة التي تنعم بها اليوم، فإذا هي «أم ولد»، وإذا ولدها يكبر حتى يبلغ الشباب، وإذا الموت يحتضر ابن السلطان البكر، فلا يرث عرش أبيه قايتباي ويرثه ابن الجارية أصل باي ... وإذا هي أم السلطان وأخت الدوادار الكبير وكانت جارية، وإذا خوند فاطمة بنت العلاء - أرملة السلطان الأشرف قايتباي - قد عاد مجدها ذكرى يكاد يبليها الزمن ويلفها في مدرجة الماضي؛ ليدفنها من بعد في أعمق أغوار النسيان.
جالت هذه الخواطر ذات مساء في نفس خوند فاطمة بنت العلاء، فإذا هي تتحدث بها إلى صاحبها طومان باي الدوادار، واستمع صاحبها إلى حديثها صامتا، ثم أخذ في حديث غيره ... كأن لم تقل ولم يسمع، وقال لها بعد فترة: تمنيت يا خوند أن ترضيني زوجا.
وكانت أمنية تتمناها، ولكنها لم تجب، فقد سرها أن تكون عنده موضع التمني، وأن تسأله الثمن قبل أن تجيبه إلى أمنيته، فقالت: تمنيت يا أمير، لو لم يكن ذلك الصبي - ابن الجارية أصل باي - هو الجالس على عرش قايتباي!
وتقبض وجه صاحبها ولم يجب، ثم لم يطل بينهما المجلس بعد، فقام، وقامت تودعه وإنها لتود - من شدة الأسف لما قالت - أن تقبل له الأرض مستغفرة تائبة؛ لتستديم حبه ورضاه ... تلك التي كانت يوما ما سلطانة على العرش يخضع لها الملايين ويقبلون لها الأرض!
وذهب طومان باي الدوادار فلم يعد منذ تلك الليلة، ولم يستمع إليها، ولم تستمع إليه منذ تلك الكلمة، والليلة موعده، فإنها لفي مجلسها ذلك تنتظره منذ ساعات، قد ذهب بها الفكر مذاهبه، وتقسمتها الهواجس والأوهام ... ثم رأته مقبلا من بعيد، فتهلل وجهها وتهيأت لاستقباله!
وكان في وجهه أمارات الجد والعزيمة، كأنه مقبل على أمر ذي بال، وخفق فؤادها، ثم اطمأنت حين لمحت ابتسامة ترف على شفتيه، كأن خاطرا سعيدا قد ألم به ... وقالت بعد برهة: خاطر ما قد ألم برأسك فأشرق على ثغرك بابتسامة، فهلا أشركتني معك في سرائك!
قال الدوادار وقد زادت ابتسامته إشراقا: بل إن لك السراء كلها يا خوند، فهلا حدثتيني ماذا كانت أمنيتك إلي لترضيني زوجا؟
فعضت على شفتها نادمة وقالت: أفلم تنس بعد يا أمير؟! إن كل أمنيتي الليلة أن أفوز برضاك وصفحك!
Page inconnue